تشيدامبارام.. هل هو الرجل الحديدي للهند الحديثة؟

خلال السنة التي تلت أحداث العنف في مومباي بتاريخ 26 تشرين الثاني (نوفمبر) هبط عدد الوفيات الهندية المرتبطة بالإرهاب بنسبة مذهلة بلغت 35 في المائة، ويبدو أن هذا الاتجاه العام متواصل، وذلك بفضل وزير الداخلية تشيدامبارام. لماذا نجح تشيدامبارام من حيث أخفق الوزراء السابقون، بمن فيهم ل. كيه أدفاني من حزب المعارضة، الذي شكَّل نفسه على غرار رجل الهند الحديدي ساردار باتيل، أول وزير داخلية هندي بعد الاستقلال؟
يمكن القول إن تشيدامبارام ليس جديداً بأي حال من الأحوال على إدارة الأمن الداخلي، بعد أن كان وزيراً ثانياً للداخلية في حكومة راجيف غاندي حين كان الإرهاب البنجابي على أشده. وحتى في ذلك الحين، فإن تطبيقه الممارسات الإدارية التي تعلمها حين كان طالباً لشهادة الماجستير في إدارة الأعمال في جامعة هارفارد كان بادياً للعيان، لكنه أصبح، رغم معارضته الشديدة، وزيراً للداخلية بعد مذبحة بومباي (26/11)، في أعقاب الفشل الذريع لشيفراج باتيل، الذي كان وزير الداخلية في ذلك الحين، الذي يعد من أقوى أنصار رئيسة حزب المؤتمر سونيا غاندي، التي تتمتع بقوة هائلة.
من السهل أن نفهم المعارضة الأولية التي أبداها تشيدامبارام لقبول هذه المسؤولية. كانت وزارة الداخلية مقبرة لسمعة أصحابها. كذلك لم يكن من الواضح بالنسبة إلى تشيدامبارام إلى أي مدى يمكن لحزب المؤتمر أن يدعم وزير الداخلية حين يكون متشدداً، وذلك بالنظر إلى اعتماد الحزب على أصوات الناخبين المسلمين. من جانب آخر، فإنه يعلم على وجه التأكيد أن عين حزب بهاراتيا جاناتا ستكون عليه كالصقر، وتهاجمه عند أي خطأ يرتكبه، رغم أنه يتمتع بعلاقة شخصية طيبة مع قيادة الحزب، خصوصاً وزير العدل السابق أرون جايتلي. في ذلك الحين كانت إدارة الأمن العام تعمها الفوضى. كان رجال الشرطة فاسدين، وغير مزودين بالمعدات المناسبة، ويتلقون رواتب تقل عن الحد المناسب، وكان ضباط الشرطة الجيدون إما أنهم مهمشون أو أن روحهم المعنوية كانت متدنية.
في الوقت نفسه كان نظام العدالة الجنائية متخلفاً. أخفقت الاستخبارات مراراً وتكراراً بسبب القيادة الرديئة، وتمت التضحية بدورها في مكافحة الإرهاب في سبيل تجميع الأخبار القذرة حول شخصيات المعارضة. ولم يكن هناك مكان للتحليل الموضوعي، ولم تتخذ أية إجراءات مضادة صارمة ضد الخلايا الإرهابية الكامنة في الجماعات الباكستانية المعادية للهند مثل لاشكار تويبا وجيش محمد، وشبكات التزوير. أخيراً كانت هناك مصالح متأصلة رفضت تقبل الإصلاحات في إدارة الأمن الداخلي، بقيادة رجل المخابرات القوي إم. كيه نارايانان، المخلص لسونيا وراجيف غاندي، الذي كان حتى الأسبوع الماضي المستشار الهندي للأمن القومي. لا عجب إذن أنه في الوقت الذي تولى فيه تشيدامبارام مسؤولية الأمن الداخلي في عهد ما بعد أحداث 26 تشرين الثاني (نوفمبر)، كان يعرب علناً عن عدم رغبته في المنصب.
منذ ذلك الحين وحتى الآن قام تشيدامبارام بعمل مثير للإعجاب، ومن الصعب على كاتب هذا المقال أن يقول ذلك لأنه توقع (وكان ذلك خطأ كبيراً من الكاتب كما تبين فيما بعد) أن مصيره سيكون الإخفاق. بدأ تشيدامبارام باستمالة حزب بهاراتيا جاناتا لمساعدته في تشديد القوانين الحالية ضد الإرهاب، لكنه رفض أن يضع مسودة قانون ضد الإرهاب مفصل على المقاس على نمط القوانين السابقة التي قيل إنها كانت مصممة ضد الأقليات. بعد ذلك تحول إلى إنقاذ إدارة الشرطة وإدارة المخابرات، وعانى بعض الصعوبات مع خروج نارايانان، والتي تمت تسويتها في الفترة الأخيرة مع خروج نارايانان. الترتيب الحالي هو أن جميع المعلومات الاستخباراتية الخاصة بمكافحة الإرهاب تأتي إلى تشيدامبارام، وهو يعتزم تشكيل مركز قومي لمكافحة الإرهاب على النمط الأمريكي، وتعهد إليه مهمة حيوية للغاية وهي «الوصل بين الأجزاء المتناثرة». هناك جانب آخر غير معروف إلى حد كبير من نجاح تشيدامبارام كوزير للداخلية، وهو أن نشاطه القوي في مكافحة الإرهاب لا يثير ريبة المسلمين، أو على الأقل لا يثيرها على نحو كبير.
ما السبب في ذلك؟ بسبب أيديولوجية الهوية الهندية (التي تم التخلي عنها الآن) كان من شأن سياسة حزب بهاراتيا جاناتا في مكافحة الإرهاب أن أثارت الاستياء الشديد والمعارضة من قبل المسلمين، وهذا بدوره ساعد حزب المؤتمر والأحزاب ذات العقلية المشابهة في الائتلاف الحاكم، على اعتبار أنه ينسجم مع سياستها القائمة على استرضاء الناخبين. ثانياً، إن حزب المؤتمر، بسبب صورته العلمانية، حين يعين وزيراً للداخلية فإنه ينظر بصورة آلية بصورة أقل حذراً وتخوفاً من قبل الأقليات. ثالثاً، فهمت زعامة حزب المؤتمر أنه هجمة أخرى على غرار أحداث 26 تشرين الثاني (نوفمبر) سيدمر صدقيتها مع الأغلبية السكانية الهندية، التي ظلت فترة طويلة ترفض الاستقطاب على الرغم من الاستفزازات بين الجماعات السكانية. وانطلاقاً من هذا التخوف من أحداث 26 تشرين الثاني (نوفمبر) فإن سونيا غاندي على الأرجح أعطت تشيدامبارام صلاحيات تامة للتصدي للإرهاب الباكستاني والتغلب عليه، رغم أنه كانت هناك نكسة في الفترة الأخيرة في سرينجار، حين صمد الجهاديون الانتحاريون ساعات في هجوم على قوات الأمن. أخيراً، لعل تشيدامبارام استفاد من قاعدته السياسية (أو عدم وجودها) بين الناخبين التاميل. يعد الجنوب بصورة عامة أقل استقطاباً بين الجماعات السكانية مما هي الحال في شمال الهند أو غربيها. وبالتالي فإن تشدد تشيدامبارام كوزير للداخلية لا يؤثر في قابليته للانتخاب، أو على الأقل لا يؤثر عليها من الناحية السلبية.
هناك صلة واضحة بين موافقة سونيا غاندي على إجراءات تشيدامبارام وخروج نارايانان من الوسط، وإلا فإن من غير الممكن إحداث تغييرات عميقة في مجلس الأمن القومي السابق. وكان من الواضح، من خلال تطورين في الفترة الأخيرة، أن وزير الداخلية يتمتع في الوقت الحاضر، وسيفعل في المستقبل، بقدر أكبر من الحسم في علاقات الهند مع جيرانها في جنوب شرق آسيا، رغم أنه كانت هناك تأثيرات خفية في الحالات الأخرى. حذَّر تشيدامبارام وزير الداخلية النيبالي بهيم راوال (الذي كان يقوم بزيارة إلى الهند) مطالباً إياه باتخاذ «إجراءات فورية وإيجابية» بخصوص الطلب الذي تقدمت به الهند في عام 1999 بعد اختطاف طائرة الخطوط الجوية الهندية والسماح لقوات الأمن الجوي بالصعود على الطائرات، وفي حالة عدم اتخاذ الإجراءات المطلوبة فإن الهند ستتخذ إجراءاتها المضادة الخاصة بها عند وقوع أحداث من ذلك القبيل.
هل يستطيع تشيدامبارام أن يخلف وراءه تركة حاسمة؟ إذا نظرنا إليه من أي مقياس، فإن من الصعب اقتفاء وتكرار أفعاله. لكن من الواضح كذلك أنه إذا استمرت الدولة الهندية في سياسة مكافحة الإرهاب على نحو يتسم بالنزاهة، دون أن تحرف مسارها السياسة القائمة على استرضاء الناخبين والهجوم العنيف على الأقليات، فإن النجاحات التي من قبيل نجاحات تشيدامبارام ربما تكون قابلة للتكرار. لكن ما تزال أمامه مسافة طويلة، لكن على الأقل لدينا وزير داخلية لا يقلل من شأن التحديات التي سنواجهها في المرحلة المقبلة.
تشيدامبارام ليس هو ساردار باتيل الثاني، لكنه يعمل بمنتهى الجد للحصول على هذا الشرف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي