الحكومة تأخذ على عاتقها إنعاش الاستثمار وتسد ثغرات التمويل المصرفي

الحكومة تأخذ على عاتقها إنعاش الاستثمار وتسد ثغرات التمويل المصرفي
الحكومة تأخذ على عاتقها إنعاش الاستثمار وتسد ثغرات التمويل المصرفي
الحكومة تأخذ على عاتقها إنعاش الاستثمار وتسد ثغرات التمويل المصرفي

فيما تواصل البنوك والشركات المالية الخاصّة الاضطلاع بدور هامشي في تمويل مشاريع توسيع البنى التحتية في المملكة، تبدو الحكومة جاهزة وراغبة في مواصلة تسخير جزء كبير من مواردها المالية لإبقاء مشاريع البنى التحتية والمشاريع الحيوية على مسارها الصحيح.

كما مثّل إشراك القطاع الخاصّ في الخطط التنموية أولويةً حكومية رئيسية منذ سنوات؛ وتجلّى ذلك بوضوح من خلال الجهود المبذولة لتعزيز دور الاقتصاد غير النفطي من أجل تقليص الاعتماد على صادرات النفط، وخلق المزيد من فرص العمل.

هذا ما يؤكده تقرير أصدره البنك السعودي الفرنسي وأعده الدكتور جون اسفيكياناكيس مدير عام وكبير الاقتصاديين في البنك وتركي بن عبدالعزيز الحقيل المدير الأعلى للقسم الاقتصادي في البنك.

#3#

يقول تقرير ''السعودي الفرنسي'' إنه في ظلّ حذر مستثمري القطاع الخاص وتراجُع الإقراض المصرفي إلى مستويات قياسية منخفضة جديدة، وبقاء أسعار فائدة القروض المتاحة أمام القطاع الخاصّ أعلى بكثير مما كانت عليه قبل انفجار الأزمة المالية العالمية، اضطرت الحكومة السعودية إلى الاضطلاع بالدور القيادي في تمويل المشاريع.

ففي العام الماضي، تحوّلت هذه الحكومة إلى المموّل الرئيسي للمشاريع الاستراتيجية في عديد من القطاعات الرئيسية للبلاد، ويبدو أنها ستوسّع هذا الدور بدلاً من أنْ تقلّصه خلال عام 2010.

الحكومة تأخذ على عاتقها محاولة انتعاش الحركة الاستثمارية كمسثمر رئيسي بعد نجاحها في المحافظة على الاقتصاد من التباطؤ في عام 2009.

## الحكومة تطور دورها الرئيس

في معظم أنحاء العالم، بما فيها البلدان المتقدّمة، تحاول الحكومات تعزيز دورها في الاقتصاد.

لكنّ المملكة طوّرت دورها الرسمي بعناية فائقة على مدى حقبة طويلة من الزمن، وعبر مجموعة من الآليات المؤسسية الفاعلة.

وحالياً، تستخدم المملكة نفوذها الاقتصادي القوي لضمان تدفق الأموال إلى مشاريع توسيع بناها التحتية.

ولا تريد المملكة في هذا السياق تهميش القطاع الخاصّ، وإنما تسعى للحفاظ على زخم الاقتصاد بعدما تراجع أداء القطاع الخاص المحلي وأصبح نمو النشاط الائتماني للبنوك الخاصّة، دون المستويات المعهودة.

#2#

وحتى الشركات الخاصّة بدأت باللجوء إلى المؤسسات الاستثمارية الحكومية من أجل تمويل مشاريعها، لأنّ البنوك ـ التي تحاول تحصيل مستحقاتها بعد تعثر الديون التي عانت منها بعض الشركات العائلية ـ أهملت طلبات الاقتراض الجديدة.

وفي شباط (فبراير)، طلب مجلس الوزراء من صندوق الاستثمارات العامة، وهو أحد أذرع وزارة المالية، تقديم قروض بلا فوائد من عائداته إلى المقاولين القادرين على تسريع عملية إنجاز مشروع قطار الحرميْن السريع، الذي يبلغ طوله 450 كيلومتراً.

وتُقدّر تكلفة هذا المشروع الذي سيربط جدة بمكة المكرّمة والمدينة المنوّرة بنحو 26 مليار ريال سعودي.

وفي مقابل منح القروض، سيحصل صندوق الاستثمارات العامة على تعويضات مناسبة من خلال المخصصات الميزانية العامّة في المستقبل.

## قطاعات أخرى بتمويل حكومي

إلى جانب قطاع النقل، انخرط صندوق الاستثمارات العامة في عدد من القطاعات الاقتصادية الرئيسية الأخرى في المملكة.

فقد أعلن في كانون الثاني (يناير) أنه سيغطي 20 في المائة من شركة التمويل العقاري بعد الإقرار المتوقّع لنظام الرهن العقاري الجديد، في وقت لاحق من العام الجاري.

وخضعت مهمة الدور الفاعل لصندوق الاستثمارات العامةّ لبعض المراجعات أيضاً في كانون الثاني (يناير) 2009، حيث أعلن هذا المموّل الرسمي أنه سيعزّز مساهمته في تمويل المشاريع لمعالجة الخلل في ميزان عرض التمويل والطلب عليه.

ثمّ رفع الصندوق نسبة تمويله للمشاريع من 30 في المائة إلى 40 في المائة من قيمتها، كما مدّد أجل قروضه من 15 إلى 20 سنة (فضلاً عن منح مهلة إضافية قصوى لسداد الديون قدرها خمس سنوات).

وإثر تمديد آجال قروض صندوق الاستثمارات العامة، أصبح هذا الصندوق يشارك بفاعلية أكبر في تمويل قطاعيّ الكهرباء والماء.

ومُدّدت آجال معظم قروضه الممنوحة إلى المشاريع الحيويّة إلى أكثر من 15 سنة. والأهم من ذلك هو حقيقة أنّ صندوق الاستثمارات العامّة رفع الحدّ الأقصى لنسبة تمويل أيّ مشروع إلى 57 في المائة من قيمة المشروع، فارتفع بذلك الحجم الإجمالي لنشاطه الائتماني من نحو 3.75 مليار ريال إلى 5.88 مليار ريال.

## سندات «سابك» وصندوق الاستثمارات العامة

في أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2009، لجأت ''سابك'' إلى صندوق الاستثمارت العامة ـ الذي يمتلك 70 في المائة من أسهمها ـ لكي تغطي إصدارها لسندات مالية خاصّة بقيمة اجمالية قدرها عشرة مليارات ريال.

وكانت سابك، التي كانت تخطط لاستخدام الأموال لتوسيع أنشطتها، قد باعت سندات خاصّة إلى المستثمرين العامين في السنوات الأخيرة.

لكنّ مخاوف الأسواق العالمية من جميع مُصدِري السندات المالية في منطقة الخليج تفاقمت بعدما أعلنت شركة دبي العالمية في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)، أنها أوقفت تسديد ديونها تماماً، ما بدّد الآمال بحصولها على دعم رسمي لتسديد ديونها.

لذا، لم يكن من المفاجئ أنْ تتنامى المخاوف من خطر تخلّف الشركات عن تسديد ديونها في جميع دول منطقة الخليج، مع أنّ احتمال تخلّف الشركات السعوديّة التي تُصدرِ سندات مالية عن تسديد ديونها هو الأضعف، بالمقارنة مع باقي الشركات الخليجية.

ففي منتصف شهر، كان مؤشّر تخلّف الشركات السعودية عن سداد ديونها أدنى من مؤشرّ نظيراتها في إمارة أبو ظبي بـ 59 نقطة أساس، وأدنى من مؤشّر الشركات القطرية 18 نقطة أساس.

مع ذلك، ارتفعت تكاليف تخلّف الشركات السعودية عن سداد ديونها بنسبة 19 في المائة مقارنةً بمستويات تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وبنسبة 74 في المائة قياساً إلى مستويات شباط (فبراير) 2009، ما قلّص فرص حصول هذه الشركات على قروض جديدة وحدّ من إقبالها على الاقتراض.

## أسعار تبادل الصكوك

وتُظهر المؤشرات الأولية أنّ أسعار تبادل الصكوك الاسلامية التي تبلغ مدّتها خمس سنوات والتي أصدرها أكبر مُطوّر للعقارات في المملكة، شركة دار الأركان للتطوير العقاري، على عائد سنوي 10- 11 في المائة .

هذه السيناريوهات تُبرز أهمية الدور الحاسم الذي يُمكن أنّ تؤديه صندوق الاستثمارات العامة والمؤسسات الحكومية الأخرى، في سدّ الثغرات التمويلية التي خلّفها تلافي البنوك للمخاطر والظروف الائتمانية الصعبة، التي تمرّ بها المنطقة ككل.

## أساسٌ يمكن البناء عليه: الأصول الخارجية المتنامية

تمثل السياسات المالية التحفيزية التي تتبعها المملكة جزءاً من المقاربة الأوسع لإعادة تدوير الأموال التي يتبناها عدد من الدول، مثل الصين والهند وسواهما، التي تقوم على الموازنة الحصيفة بين الموارد الداخلية والأصول الخارجية لدعم استقرار الاقتصاد الكلي.

ومع أنّ المجال لا يتسع، هنا، لمناقشة مقومات الموازنة الصحيحة بين التدخّل الرسمي في الاقتصاد والحفاظ على حرية الاقتصاد، إلا أنه يمكن الجزْم بأن الاقتصاد السعودي استفاد حديثا من الدور التمويلي للمؤسسات الرسمية السعودية أكثر من أي وقت مضى، فقد التزمت المملكة بزيادة ميزانيتها العامة للعام الجاري بنسبة 14 في المائة، لتبلغ 540 مليار ريال، أي ما يُقارب ضعف ميزانية عام 2005.

وخلافاً لباقي دول أعضاء مجموعة العشرين، تستطيع المملكة زيادة الإنفاق العام بمعدلات كبيرة من دون أنْ تفاقم مشكلة الدين العام، وذلك بفضل الأصول الضخمة التي تمتلكها في الخارج وقدرتها على تعويض ما تنفقه منها عندما تكون أسعار النفط مرتفعة نسبياً، كما هو الحال في المرحلة الراهنة.

فبعدما ارتفعت أسعار النفط خلال الجزء الأكبر من العام الماضي، قفز صافي أصول مؤسسة النقد في الخارج بنسبة 4.2 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، ليصل إلى 1.52 تريليون ريال، أي ما يُعادل 109.8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للمملكة عام 2009.

وكانت تلك أكبر قفزة شهريّة يسجّلها صافي الأصول الخارجية لمؤسسة النقد منذ تموز (يوليو) 2008، حيث سجّلت أسعار النفط مستوى قياسياً مرتفعاً ناهز 150 دولاراً للبرميل.

لكنّ أسعار النفط حامت حول 75 دولاراً للبرميل خلال الأشهر الثلاثة الماضية ـ وهو مستوى تعتبره الحكومة السعودية مناسباً للدول المصدّرة والمستوردة للنفط، على حدٍّ سواء.

## إجمالي أصول البنوك ومؤسسة النقد

بلغ مجموع صافي الأصول الخارجية لمؤسسة النقد والبنوك التجارية في المملكة، التي تستخدمه الوكالات التصنيفية والمراقبة المالية، في الغالب، كمؤشّر لتقييم الاقتصاد الكلي، بلغ 117 في المائة من إجمالي الناتج المحلي السعودي في عام 2009، في مقابل 95 في المائة منه عام 2008 ـ وهذه نسبة فريدة في المنطقة ولا يستطيع عديد من دول مجموعة العشرين أنْ يضاهيها.

أما السبب الرئيسي لهذه القفزة الكبيرة، فإنه يرجع إلى النمو الهائل في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي.

ولم ينخفض صافي الأصول الخارجية إلا في أعقاب انفجار أسوأ أزمة مالية عالمية منذ ستة عقود، حيث انخفضت القيمة الإجمالية لصافي تلك الأصول بنحو 52.6 مليار ريال.

وفي عام 2009، تراجعت أيضاً عائدات صادرات النفط إلى 46 في المائة من مستواها القياسي المرتفع الذي سجّلته في عام 2008، بينما انخفض صافي الأصول الخارجية بنسبة قابلة للسيطرة بسهولة (3.1 في المائة)، خصوصاً بمساعدة أسعار النفط التي عادت إلى الارتفاع تدريجياً في النصف الثاني من تلك السنة.

## استثمار عائدات النفط

وعلى مدى سنوات عديدة، اتبعت مؤسسة النقد سياسة استثمار فوائض عائدات النفط في مجموعة من الأصول القليلة المخاطر، إذ يمثل أكثر من 76 في المائة من صافي أصولها الخارجية استثمارات في السندات والأوراق المالية الأجنبية، بما فيها السندات المالية الحكومية التي تُصدرها الخزانة الأمريكية.

أما استثمارات مؤسسة النقد العربي السعودي في الأسهم فهي ضئيلة لأنّ هذه الأزمة العالمية علّمتنا أنه ليس من السهل تسييل الأسهم فور بروز الحاجة إلى سيولة إضافية.

لكنْ خلال العام الماضي، أصبحت الودائع السائلة الضخمة لمؤسسة النقد العربي السعودي في البنوك الأجنبية المحور الرئيسي لمجمل عملية دخول الموارد المالية إلى المملكة وخروجها منها ـ على شكل أصول مملوكة في الخارج.

ومع أنّ استثمارات مؤسسة النقد العربي السعودي في الأوراق المالية الأجنبية ظلّت ثابتة نسبياً خلال الربع الأخير من العام الماضي، قفز صافي الودائع في البنوك الأجنبية في تلك الفترة بنحو 41 في المائة، إضافة إلى 25 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) وحده، ليرتفع بذلك إلى 335.7 مليار ريال.

ومن الواضح أن الحكومة تبدو راغبة في إبقاء أصولها الخارجية سائلة لأنها بصدد زيادة الإنفاق العام لدرجة أنها تتوقع تسجيل عجز في ميزانية العام الجاري، قدره 75 مليار ريال.

وهذا تماشياًً مع سياسة الحكومة المتحفظة لمتوسط سعر برميل النفط عند إعداد الميزانية وتقييم قدرتها على التصرف بأصولها الداخلية وإيراداتها المحتملة.

خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2009، تقلّص حجم ودائع مؤسسة النقد في البنوك الأجنبية بنسبة 37.1 في المائة، أو ما يُعادل 140.7 مليار ريال.

وخلال تلك الفترة، انخفضت أيضاً قيمة الأوراق المالية الخارجية المملوكة للمؤسسة بواقع 83.1 مليار ريال، أيْ بنسبة 7.2 في المائة فقط. لكنّ الداعم القوي المتمثل بالأصول الخارجية والنسبة البسيطة نسبياً للدين العام الداخلي إلى إجمالي الناتج المحلي (16.3 في المائة)، سيمكّنان الحكومة السعودية من قلب العجز المتوقع في الميزانية بكل سهولة، علماً بأننا نتوقّع أنْ تتمكن المملكة من تنفيذ خطّة الإنفاق التحفيزي عام 2010، وتسجيل فائض قدره 77.9 مليار ريال.

## الدين العام متميز

يعتبر التقرير وضع المملكة على صعيد حجم الدين العام المحلي متميّزاً بالمقارنة بأوضاع دول الخليج، أو قياساً إلى وضع الدول الأخرى في مجموعة العشرين.

في عام 2010، قد تنخفض إلى 13.2 في المائة نسبة الدين العام السعودي ـ الداخليّ بمجمله ـ إلى إجمالي الناتج المحلي، طبقاً لتوقعات البنك السعودي الفرنسي، مع أنّ صندوق النقد الدولي توقّع أن تصل هذه النسبة إلى 18 في المائة.

ومن منظور الاقتصادي الكلي، يسود الاعتقاد بأنّ احتمال نمو الدين العامّ الخارجي أضعف بكثير من احتمال نمو الدين العام الداخلي.

في المقابل، يتوقّع صندوق النقد الدولي أن تصل نسبة الدين العام الخارجي الإماراتي إلى إجمالي الناتج المحلي إلى 35.6 في المائة ، بينما يتوقع أنْ تصل هذه النسبة في قطر إلى 61.4 في المائة.

وانعكست مشكلة ديون إمارة دبي سلباً على الوضع المالي للإمارات، إذ تبلغ ديون إمارة دبي نحو 100 مليار دولار، أو قرابة 120 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي في حين، تمكّنت المملكة من تقليص عبء دينها العام بنسبة 63 في المائة منذ عام 2003، لأنها أحسنت استغلال طفرة أسعار النفط.

واشتمل هذا التقليص على خفض أعباء خدمة الدين العام بنسبة 4.3 في المائة في عام 2009، رغم تباطؤ النمو الاقتصادي الذي سجّل معدلاً سنوياً ضئيلاًً قدره 0.2 في المائة فقط.

## الشفافية في الدعم الحكومي

لطالما كانت السعودية مسهّلاً وداعماً مالياً جديراً بالثقة. ولم تُـثِر المملكة أي غموض في السوق بشأن ما هو مدعوم وغير مدعوم حكومياً لذا، بدأت الأسواق العالمية بالتمييز بين دول منطقة الخليج على أساس مخاطر الاستثمار فيها.

وخلافاً لأصول الصناديق السيادية الإقليمية الأخرى، تُدار الأصول الخارجية لمؤسسة النقد السعودي كصندوق للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، وليس كرصيد لأجيال المستقبل.

وتنشر مؤسسة النقد تفاصيل ثروتها من الأصول الخارجية في تقارير شهرية، ما يجعل قياس قوّتها المالية أسهل بكثير من قياس القوة المالية لأي بنك مركزي خليجي آخر، لأنّ البيانات التي تنشرها الصناديق السيادية التابعة لباقي دول المنطقة قليلة أو معدومة.

كما أنّ الأصول الخارجية التي تُديرها البنوك المركزية الخليجية الأخرى محدودة نسبياً، بسبب اختلاف سياساتها وتوجهاتها الاستثمارية عن تلك التي يتّبناها البنك المركزي السعودي.

## المموّل الرئيسي

تُظهر بيانات القروض المصرفية الممنوحة إلى القطاع الخاصّ السعودي في العام الماضي أنّه لولا التمويل الحكومي، لكان عديد من المشاريع التوسيعية الحاسمة قد توقّف لشهور بانتظار تبني البنوك الخاصّة سياسات ائتمانية أقل صرامة.

وعلى الرغم من أسعار الفائدة المتدنيّة في المملكة وسواها، لم ينتعش النشاط الائتماني بالقدر الذي أمِله عديد من صنّاع السياسة.

ففي كانون الأول (ديسمبر) 2009، انخفض حجم القروض المصرفية الممنوحة إلى القطاع الخاصّ السعودي بنسبة 1.9 في المائة، مقارنة بتشرين الثاني (نوفمبر)، ما ألغى عملياً جميع التحسن الذي كان قد سجّله النشاط الائتماني للبنوك السعودية الخاصّة منذ تموز (يوليو).

وفي الحقيقة، شهد الجزء الأكبر من عام 2009، انكماشات شهرية متتالية في حجم القروض المصرفية الممنوحة إلى القطاع الخاصّ السعودي، بعدما نما النشاط الائتماني للبنوك السعودية بنسبة 28 في المائة عام 2008، مقارنة بالعام السابق كما فاق ثلاثة أضعاف مستواه في عام 2003.

لكنّ تراجُع النشاط الائتماني لبنوك المملكة لم يرتبط ببساطة بالغموض الذي لفّ مدى قدرة الشركات العائلية على سداد ديونها، لأنّ بدايته تعود إلى شهور قبل ظهور مشكلة ديون مجموعة سعد وشركة القصيبي في أيار (مايو) 2009.

وفي الحقيقة، نجم هذا التراجع، بالدرجة الأولى، عن سياسة تلافي المخاطر التي اجتاحت البنوك المحليّة والعالمية بسبب أزمة الائتمان العالمية التي أعقبت انهيار مجموعة ليمان براذَرز Lehman Brothers.

نحن نعتقد أنّ الانخفاض الكبير الذي شهده كانون الأول (ديسمبر) في حجم القروض الممنوحة إلى القطاع الخاصّ موسميٌ وناجم عن ظروف استثنائية ـ ففي الربع الأخير من عام 2009، اتخذت البنوك إجراءات صارمة ومخصصات بشأن القروض التي توقّعت عدم استيفائها في محاولة منها لبدء عام 2010، بجرد حساب نظيف.

في غضون ذلك، سدّدت الشركات الخاصة الديون المستحقَّة وأنهى الدائنون جرد حساب نهاية السنة.

بعبارة أخرى، أرادت البنوك تحقيق نتائج مالية أفضل وضغطت على الشركات الخاصّة لكي تُسدّد المستحقات المرتبطة بالقروض.

تسديد الديون أمر صحي ، ولكن علينا أن نسأل ما إذا كان وجود الشهية من القطاع الخاص للإقراض الجديد بعد الإنتهاء من هذه الدوامة.

في رأينا ، أن إحجام البنوك عن منح القروض الجديدة قد وصلت إلى الحضيض ، وأنها سوف تبدأ في الإقراض.ومع ذلك ، يجب أن تنبع البنوك من الانكماش في إحجام القطاع الخاص هذا يمكن أن تكون لها انعكاسات مهمة على وتيرة الانتعاش هذا العام.

عدم توافر الائتمان هو السبب الرئيسي لبطء الانتعاش الاقتصادي والتي مالت إلى أن تكون أبطأ بكثير والتي طال أمدها أكثر من المعتاد.

صناع القرار في السعودية قد اعترفت منذ فترة طويلة لهذا الخطر ، وقد اتخذو قرارات وإجراءات لتسهيل السيولة والإقراض.

ولكن يجب على البنوك والقطاع الخاص القيام بدورها.

وليس من المستغرب البطيء في نمو المعروض النقدي في المملكة في الأشهر الأخيرة وهي نتيجة تقلص القروض المصرفية.

إلى ذلك، انخفض معدّل نمو النشاط المالي في المملكة خلال الأشهر الأخيرة. إذ انخفض إلى 10.7 في المائة معدل النمو السنوي لعرض النقود (ن3) (أوسع مقياس للأموال الدائرة في الاقتصاد السعودي) في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، حيث تدنّى معدّل نمو السيولة والنقد المتداول خارج المصارف (ن2) إلى 6.5 في المائة مقارنة بالشهر السابق.

ولا تولّد هذه المستويات من نمو النشاط المالي إلا القليل من الضغوط التصاعدية على معدل التضخم الذي حام حول 4.2 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) والشهور الخمسة التي سبقته. ويستبعد التقرير حدوث تغيّر كبير في هذا المستوى عام 2010، إذ نتوقّع أنْ يبلغ متوسط المعدّل السنوي للتضّخم خلال العام الجاري 4.3 في المائة.

كما يتوقّع أنْ تضعف موجة تلافي المخاطر التي تجتاح البنوك السعودية بشكل بطيء خلال العام الجاري.

وإلى حين حدوث ذلك، يتعيّن على المشاريع الجديدة التي لا تزال قيد الإنجاز أنْ تبحث عن آليات تمويلية بديلة أكثر قوة، كالتي سنناقشها لاحقاً.

وكما أشرنا سابقاً، فإنّ وتيرة نمو النشاط الائتماني المصرفي قد تتسارع تدريجياً خلال النصف الثاني من العام الجاري، لكننا نتوقع أنْ يرتفع الحجم الإجمالي السنوي للقروض المصرفية الممنوحة إلى القطاع الخاص بنسبة متواضعة قدرها 8 في المائة، بعدما انكمش في عام 2009، بنسبة 0.04 في المائة مسجّلاً أوّل انخاض سنوي منذ 15 عاماً.

في حال عدم وصول القروض المصرفية الممنوحة إلى القطاع الخاص إلى 8 في المائة، فسوف نضطر الى تغيير توقعات نمو القطاع الخاص ، مما سيشكل ضغوطا على الرقم النهائي للناتج الإجمالي المحلي.

وفي الحقيقة، تمتلك البنوك السعودية سيولة ضخمة. فبحلول كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي كانت قيمة أصولها الخارجية قد قفزت بنسبة 37 في المائة.

ومع أنه من السهل أنْ يفقد نمو النشاط الائتماني زخمه، إلا أن استعادة كامل الزخم المفقود سيكون صعباً؛ وهو ما تجلى بوضوح في المملكة والأسواق العالمية المتقدمة.ويعتقد التقرير أنّ معظم الشركات السعودية الخاصّة لم تقترض مبالغ ضخمة تعجز عن إدارتها بسهولة أو تعوق نموها المستقبلي.

وبالأحرى، تسعى هذه الشركات إلى تقليص اعتمادها على التمويل الائتماني، ما أدى إلى تراجع حاد في أعداد القروض القصيرة الأجل (أقل من سنة واحدة) في مقابل ارتفاع أعداد القروض المتوسطة الأجل (من سنة إلى ثلاث سنوات) والطويلة الأجل (أكثر من ثلاث سنوات).

وما زالت الشركات السعودية قادرة على المنافسة وتحقيق أرباح، وهذا ما يشير إلى أنها ستعود إلى الاقتراض في وقت لاحق من العام الجاري لتمويل مشاريعها، وإن بوتيرة بطيئة.

ومع أنّ حجم القروض المصرفية الممنوحة إلى القطاع العامّ انخفض في عام 2009، بنسبة 25 في المائة مقارنة بالسنة السابقة، إلا أنّه ارتفع في كانون الأول (ديسمبر) 2009، بنسبة 1.2 في المائة بالمقارنة تشرين الثاني (نوفمبر)؛ وجاء ذلك بعد ظهور مؤشرات عديدة منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2009، على استعادة أسواق الائتمان لجزء من زخمها.

الأكثر قراءة