السوق الخليجية المشتركة وتعزيز المواطنة

يعد مشروع السوق الخليجية المشتركة الذي دخل حيز التنفيذ في بداية 2008 من أهم مراحل مسيرة التكامل الاقتصادي الخليجي نظرا لتركيزه على حرية انتقال وسائل الإنتاج بين الدول الأعضاء. يتضمن مشروع السوق المشتركة عشرة مسارات وهي: 1) حرية التنقل والإقامة. 2) العمل في القطاعات الحكومية والأهلية. 3) التأمين الاجتماعي والتقاعد. 4) ممارسة المهن والحرف. 5) مزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية. 6) تملك العقار. 7) انتقال رؤوس الأموال. 8) المساواة في المعاملة الضريبية. 9) تداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات. 10) الاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية.
ولغرض تعزيز المشروع برمته أقر قادة دول مجلس التعاون في القمة رقم 30 في الكويت في كانون الأول (ديسمبر) 2009 مبدأ المساواة بين مواطني دول المجلس في مجال التعليم الفني الأمر الذي ينصب في تحقيق أهداف مشروع السوق الخليجية المشتركة.
أهداف حيوية
بدورنا نتوقع تسجيل تقدم أسرع في بعض المسارات دون غيرها مثل قطاع الخدمات المالية وتحديدا مجال تداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات فضلا عن انتقال رؤوس الأموال، إضافة إلى تملك العقار نظرا لوجود فرصة تحقيق أرباح سريعة نسبيا. كما من شأن بعض التطورات الحديثة من قبيل تأسيس شركات طيران اقتصادية مثل ''العربية'' و''الجزيرة'' وحديثا طيران البحرين المساهمة في انسيابية التنقل بين مدن دول مجلس التعاون.
ومن شأن تطبيق السوق المشتركة تعزيز مبدأ المواطنة الخليجية في مسائل العمل والإقامة والتجارة. وحسب الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي يهدف المشروع ''إلى إيجاد سوق واحدة يتم من خلالها استفادة مواطني دول المجلس من الفرص المتاحة في الاقتصاد الخليجي، وفتح مجال أوسع للاستثمار البيني والأجنبي، وتعظيم الفوائد الناجمة عن اقتصاديات الحجم، ورفع الكفاءة في الإنتاج، وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وتحسين الوضع التفاوضي لدول المجلس وتعزيز مكانتها الفاعلة والمؤثرة بين التجمعات الاقتصادية الدولية''.
القائمة السلبية
من جهة أخرى، يستثني مشروع السوق المشتركة أربعة أمور وهي: 1) خدمات الحج والعمرة. 2) استقدام العمالة. 3) الصحف والمجلات. 4) الوكالات التجارية. وفي كل الأحوال، يتوقع أن تواصل السعودية قصر خدمات الحج والعمرة على المؤسسات السعودية لأسباب أمنية وتجارية. لكن يتوقع حدوث انشراح فيما يخص الوكالات التجارية في ضوء رغبة الدول الأعضاء في فتح أسواقها وبالتالي تعزيز المنافسة ما يعني توفير فرص للمستهلكين للحصول على أسعار تنافسية وخدمات راقية. كما تعد دول مجلس التعاون ملزمة حسب قوانين منظمة التجارة العالمية بفتح أسواقها أمام المنافسة بشكل عام وعدم قصر بعض الأنشطة على جهات معينة. المعروف أن كل دول مجلس التعاون الخليجي الست أعضاء في منظمة التجارة العالمية بما فيها السعودية والتي كانت آخر دولة خليجية تنضم للمنظمة في نهاية 2005. كما يخشى عدم إحراز تقدم سريع نسبيا في بعض المسارات لأسباب لها علاقة بالبيروقراطية في الدوائر الرسمية. حقيقة القول، هناك شكاوى من قبل التجار فيما يتعلق ببطء إنهاء المعاملات والإجراءات الرسمية في بعض الدول الأعضاء الأمر الذي يتناقض وروح مشروع السوق الخليجية المشتركة.
التجارة البينية
حسب الإحصاءات القليلة المتوافرة تتراوح نسبة التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي ما بين 20 و25 في المائة من مجموع تجارتها الخارجية. ويحدث تذبذب للنسبة بسبب ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط في الأسواق الدولية، حيث يشكل القطاع النفطي نحو ثلثي الصادرات لجميع الدول الأعضاء بلا استثناء. وكانت أسعار النفط قد ارتفعت لحد 147 دولارا للبرميل في تموز (يوليو) 2008 ثم تراجعت بشكل نوعي بعد الكشف عن الأزمة المالية العالمية.
في المقابل، تشكل التجارة البينية في الاتحاد الأوروبي نحو 40 في المائة من تجارة الأعضاء مع العالم الخارجي. وحتى عام 2004 كان مستوى التبادل التجاري البيني بين الدول الأعضاء يقترب من نصف تجارة الاتحاد الأوروبي مع العالم. ويعود التراجع إلى دخول 12 دولة أخرى وهي قبرص، التشيك، سلوفاكيا، سلوفينيا، أستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، مالطا، بولندا، المجر، بلغاريا ورومانيا قد انضمت للاتحاد منذ أيار (مايو) من عام 2004. يضم الاتحاد الأوروبي في الوقت الحاضر27 دولة والعدد قابل للزيادة في المستقبل. في المقابل، حافظ مجلس التعاون الخليجي على نفس عدد الأعضاء منذ إطلاقه قبل 30 عاما.
الأمل كبير في أن يسهم مشروع السوق المشتركة في تعزيز التجارة البينية، وبالتالي التكامل الاقتصادي الخليجي الأمر الذي يخدم الهدف الأسمى من انطلاق مجلس التعاون الخليجي في عام 1981. ما يهم في نهاية المطاف هو ضرورة اكتساب مواطني دول المجلس على الفوائد الاقتصادية من دخول مشروع السوق الخليجية المشتركة حيز التنفيذ. وكما أسلفنا كنا نأمل تأجيل تطبيق مشروع الاتحاد النقدي لفترة زمنية حتى يحدث تحول نوعي في العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون.
باختصار يهدف مشروع السوق الخليجية المشتركة إلى تعزيز روح المواطنة الخليجية ما يعني منح المواطن الخليجي فرصة قطف ثمار العمل الخليجي المشترك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي