جهود خيرية في مكافحة الإيدز
تشير الإحصائيات إلى أن انتشار مرض نقص المناعة المكتسبة Acquired Immune Deficiency Syndrome (الإيدز-AIDS) في السعودية ينتشر بين السعوديين بنسب متصاعدة، حيث بلغ عدد المصابين بالمرض خلال الفترة 1984 وحتى 2008 (3538) مصاباً، في حين كان عدد المصابين خلال الفترة ما بين 1984إلى2001 (1285) مصاباً، كما تشير الإحصائيات إلى أن حالات الإصابات الجديدة بالمرض بين السعوديين، آخذة في التصاعد من عام إلى آخر، حيث على سبيل المثال بلغ عدد المصابين بالمرض في عام 2002 (229) مصاباً، في حين بلغ عدد المصابين في عام 2008 (505) مصابين.
تكمن مشكلة مرض الإيدز في كونه يتسلل إلى الجهاز المناعي للجسم، ويبقى فيروس المرض كامناً لفترة من الزمن، قد تصل إلى 15 عاماً، يكون خلالها المصاب طبيعياً ولا يشكو من أية أعراض مرضية، لكنه في الوقت نفسه ينقل عدوى الفيروس للآخرين من خلال وسائل انتقال العدوى المختلفة، كما تكمن مشكلة المرض في تأثيره السلبي في التنمية الاقتصادية، بالذات في البلاد الفقيرة، في ظل تنامي معدلات الإصابة بالمرض على المستوى العالمي، إذ تشير الإحصائيات إلى أن عدد المصابين بالمرض على مستوى العالم يقدر بأكثر من 35 مليون مريض ومريضة، فيما يقدر عدد الإصابات الجديدة بالمرض بنحو 92 ألف حالة في العالم.
انتشار حالات الإيدز بين السعوديين في المملكة، وتزايد عدد المصابين من عام إلى آخر، أصبح مبعث قلق بالنسبة لأفراد المجتمع السعودي، وبالذات بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني، لاسيما حين النظر إلى النتائج والعواقب الوخيمة سواء النفسية أو الاجتماعية أو المادية، التي يتسبب في حدوثها مرض الإيدز.
الآثار النفسية والاجتماعية، التي يعانيها مرضى الإيدز متنوعة ومتعددة، من بينها إقصاء المجتمع لحاملي الفيروس والمصابين بالمرض ووصمهم بسلوكيات أخلاقية خطيرة، ما يجعل الكثير من المصابين يحجم عن المكاشفة والمصارحة بالمرض، والذي بدوره يؤدي إلى انتشار المرض بوتيرة سريعة في المجتمع، ويضاعف من رفض المجتمع للتعامل مع مرضى الإيدز بشكل طبيعي، إما بسبب المخافة من انتقال العدوى لمجرد مخاطبتهم أو السلام عليهم، أو حتى الوجود في المكان الموجودين فيه، على الرغم من أن الدراسات قد أثبتت أن أكثر من 80 في المائة من عدوى الإيدز، تحدث نتيجة الاتصال الجنسي المباشر، كما أن العدوى تنتقل عن طرق أخرى مختلفة مثل نقل الدم الملوث بالمرض للشخص السليم، أو عن طريق الأم الحامل لطفلها، أو عن طريق الاتصال الجنسي إذا كان أحد الطرفين حاملاً للفيروس. إن رفض المجتمع للتعامل مع المصاب بمرض الإيدز، يشعره بالذنب وارتكاب خطيئة لا تغتفر، على الرغم من أن المصاب قد يكون ضحية للمرض، مما يتسبب في مضاعفة معاناة مريض الإيدز من التمييز والعزلة، ويُصعب عليه التعايش في المجتمع بشكل طبيعي وعادي.
من بين الجهود السعودية، المرتبطة بمكافحة مرض الإيدز، النشاط الملحوظ لعدد من مؤسسات المجتمع المدني في السعودية، مثال الجمعية الخيرية لرعاية مرضى الإيدز بالرياض «مناعة»، التي من بين أبرز أهدافها، تقديم الدعم الاجتماعي والمعنوي لمرضى الإيدز ولأسرهم، وتوعية وتثقيف أفراد المجتمع بالوقاية من المرض، ومتابعة تفعيل وتطبيق جميع المراسيم الملكية والأنظمة والقوانين والقرارات، التي تكفل لمريض الإيدز حياة كريمة، هذا إضافة إلى دعم وتشجيع البحوث العلمية، التي تسعى لمعرفة أسباب الإيدز ومحاولة الحد منها أو التخفيض من المضاعفات الناتجة عنه.
من بين أبرز جهود مناعة في مجال التوعية بمرض الإيدز، تنظيمها حلقة نقاش خاصة بمرض الإيدز بعنوان: (مرض الإيدز .. الواقع وتطلعات المستقبل) بتاريخ 15 كانون الأول (ديسمبر) 2009، في الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، التي ركزت النقاش على خمسة محاور رئيسة هي: (1) التعريف بمرض الإيدز وطرق انتقال العدوى. (2) الأثر النفسي والاجتماعي لمرض الإيدز. (3) دور الإعلام في التوعية بمرض الإيدز. (4) الجانب الحقوقي. (5) الجانب الشرعي والإنساني لمريض الإيدز.
نجحت حلقة النقاش المذكورة في تحديد الحقوق والالتزامات، بما في ذلك الواجبات الخاصة بمرضى الإيدز، كما أنها تمكنت من تحديد الواجبات المتعلقة بالمتعاملين مع مرضى الإيدز، سواء كان ذلك على المستوى العام أم على المستوى الخاص، فعلى سبيل المثال من بين واجبات مريض الإيدز أن يبذل الجهود اللازمة لحماية نفسه وحماية الآخرين من الإصابة بالمرض، من خلال تلقي العلاج اللازم، والالتزام بتطبيق التعليمات والإرشادات الطبية، التي تحد من تفاقم حالته المرضية. بالنسبة لحقوق مريض الإيدز على المستوى العام، فهي تتمثل في توفير العلاج الطبي اللازم له، وتهيئة سبل العيش المناسب والكريم له، والعمل على دمجه في المجتمع بشكل طبيعي يبعد عن التفرقة والتمييز والاحتقار والدونية.
خلاصة القول، إن أفراد المجتمع السعودي، في حاجة إلى تغيير الصورة الذهنية السلبية المطبوعة لديهم عن مرضى الإيدز، من خلال عدم حصر أسباب المرض في الاتصال الجنسي غير المشروع أو بسبب ممارسة بعض السلوكيات غير الشرعية مثل الشذوذ الجنسي، الأمر الذي يتطلب من أفراد المجتمع بمختلف شرائحه وطبقاته، تقديم الدعم النفسي والرعاية الاجتماعية اللازمة، بما في ذلك الرعاية الطبية اللازمة لمرضى الإيدز، للتخفيف من معاناتهم وتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي لهم، كما أن الأمر يتطلب أن يكون للإعلام السعودي دور فاعل في التوعية بالمرض، بما في ذلك خطباء المساجد، وأن تتضمن متطلبات الفحص قبل الزواج، الفحص عن مرض الإيدز، هذا إضافة إلى ضرورة أن تشتمل وثائق التأمين على تقديم خدمة علاج مرضى الإيدز، والله من وراء القصد.