الأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد IACA
قد لا يعلم الكثيرون منا، سواء على مستوى الأفراد أو الحكومات، مقدار ما يستنزفه الفساد من أموال، بيد أن مصادر الأمم المتحدة تقدره بما بين 1 إلى تريليوني دولار (سنوياً)، ويساوي هذا المبلغ (تقريباً) قيمة الأموال التي تمت خسارتها بسبب الأزمة المالية العالمية الأخيرة!.. وبمعيار آخر، فهو يفوق، بعشرة أضعاف، قيمة المساعدات والإعانات السنوية التي تقدمها جميع دول العالم، للدول المحتاجة.
ورغم الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة على مستوى المنظمات التابعة لها، والجهود التي تقوم بها الدول، مجتمعة أو متفرقة، للحد من الفساد، وتضييق مجالاته، فلا يزال هذا الغول المتوحش ينهش في كيانات الدول الاقتصادية، ويحد من جهودها لتنمية شعوبها، ويمتص جزءاً كبيراً مما يخصص لمشاريع التنمية فيها ..! ولم تقتصر جهود مكافحة الفساد على إنشاء المنظمات، وإبرام الاتفاقيات الدولية، وعقد المؤتمرات والندوات، والتعاون فيما بين الدول لتبادل المعلومات والخبرات، وتعقب الفاسدين الفارين من بلدانهم لإعادتهم إليها لمواجهة العدالة، بل تعدى ذلك إلى إنشاء الأكاديميات العلمية لتدريس أصول علم مكافحة الفساد، وأخلاقيات النزاهة، وتعد (الأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد IACA) ومقرها النمسا، من أهم مصادر المعرفة والتدريب، وتطوير المهارات والقدرات في هذا المجال، وهي أكاديمية غير ربحية، تم إنشاؤها بالاتفاق والتنسيق بين الإنتربول، ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة UNODC، وجمهورية النمسا، بدعم قوي من المكتب الأوروبي لمكافحة الاحتيال OLAF، وذلك لنقل المعارف والمهارات إلى الأشخاص الذين يعملون على منع الفساد وفضحه، ومقاضاة مرتكبيه، وتقديم المساعدة في تعزيز الشفافية، وتطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد UNCAC، وتتمثل الأهداف الأساسية للأكاديمية في إضفاء الطابع المهني على العمل في مجال مكافحة الفساد، وتبادل الممارسات الجيدة، وتحسين أداء وفعاليات الأشخاص الذين ينصب عملهم على منع الفساد، وتعقب مرتكبيه، وإجراء البحوث العلمية والميدانية للتوصل إلى الاستراتيجيات الفاعلة لمكافحة الفساد. وتتركز الدراسة في هذه الأكاديمية على توفير التدريب الفعال لتحقيق المشاركة في مجال منع الفساد والتحقيق فيه، ومقاضاة مرتكبيه، والبت في قضاياه، وتصميم برامج تدريبية تحقيقية مخصصة لكل بلد على حدة، وتقديم التدريب العملي للتعامل مع حالات من واقع الحياة، ودعم التقارب بين القطاعين العام والخاص في مجال مكافحة الفساد، وتعزيز الأبحاث، وتحسين طرائق التفكير والمنهجيات الجديدة في المجال ذاته، ودمج التقاليد المتنوعة التي تضم جميع قطاعات المجتمع، ومراقبة مصداقية جميع العناصر الأساسية في مكافحة الفساد، مثل الشرطة والمحققين والقضاة، والمدعين العامين، وأخيرا إنشاء شبكة من المهنيين المتفقين في الآراء لدعم التعاون والتواصل بينهم، بعد التخرج، في مجال مكافحة الفساد.وتتبع الأكاديمية منهجاً عالمياً يشمل، إلى جانب المجالات المذكورة، مجالات مثل الإشراف والتحقق من وصول المساعدات إلى مستحقيها، وإنشاء الوكالات المستقلة لذلك، وتتبع الأصول المالية واسترجاعها، والاهتمام بالأدلة المحاسبية، والمبادئ الأخلاقية، وتتمثل الفوائد التي سوف تجنيها الدول والهيئات والمنظمات، جراء إلحاق منسوبيها بهذه الأكاديمية، في تمكين الحكومات من استخدام النتائج الإيجابية في مجال الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد، وفي تعزيز ثقة شعوبها بها، وتحقيق أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بأقل قدر ممكن من الهدر وضياع الأموال، كما سينعكس ذلك على الشركات باعتمادها قواعد تجارية أكثر عدلا وأخلاقية، ويزيد من ثقتها بالاستثمار في بلدانها، وتوسيع نشاطها، وزيادة أرباحها، كما أن ذلك سيمكن المنظمات الدولية، ومؤسسات المجتمع المدني، من استخدام الأموال المخصصة للمساعدات بشكل أكثر فعالية وانضباطاً.
إن الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الأكاديمية في تعزيز الممارسات الأخلاقية، والارتقاء بمفاهيم المصداقية والأمانة والنزاهة، يبدو جليا للحكومات التي تهمها الاستفادة من فرصة إلحاق بعض موظفيها بهذه الأكاديمية لينهلوا منها.
وفي حالة المملكة، فإن إلحاق أفراد من منسوبي الهيئات والجهات ذات المسؤولية عن تتبع قضايا الفساد وكشفها، والتحقيق فيها، ومقاضاة مرتكبيها، مثل ديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، وهيئة التحقيق والادعاء العام، والمباحث الإدارية، والقضاء الإداري، سيجعل أولئك الأفراد أكثر قدرة وتمكنا في أداء أعمالهم، فضلاً عن تطوير قدراتهم ومهاراتهم وتوسيع خبراتهم، وتعزيز مداركهم في مجال عملهم، بل إن إلحاق بعض من يعملون في الشركات الكبرى ولاسيما المساهمة العامة منها، بالأعمال المالية والمحاسبية، وأعمال الفحص وتقويم النتائج، في تلك الأكاديمية، سيعود على تلك الشركات بفوائد تتمثل في دقة الأعمال والنتائج، وحمايتها من شبهات التلاعب والفساد، وينعكس تلقائياً على سمعتها وزيادة دخولها.
والله من وراء القصد