معوقات التوظيف بين التأهيل العالي وقلة الخبرة
فئتان من شباب الوطن هما طاقة مهدرة وفقد اقتصادي واستراتيجي كبير، رغم وجود الحلول والإمكانات لاستثمارهما استثماراً أمثل يزيد من تحريك عجلة التنمية الوطنية ويعزز القدرة التنافسية بين كل أطياف الأعمال في القطاعين العام والخاص، أما الفئتان فهما:
أولاً: فئة العاطلين من الشباب من خريجي الجامعات والكليات التقنية والخاصة رجالاً ونساء، ومعظمهم لديه من المهارات والقدرات ما يجعله أفضل في بعض الجوانب من بعض الموظفين الوافدين بل أقل تكلفة في كثير من الأحيان إذا ما حللنا متغيرات الاقتصاد ومتطلبات التوظيف الحالية، وقد أنفقت الدولة ثروات ضخمة كلنا يعرف إجمالاً أحجامها سنوياً لتأهيل هؤلاء الشباب التأهيل الذي يُمكنهم من خدمة وطنهم كما يستحق، وبالتأكيد أن عدم الاستفادة منهم بعد هذا البذل السخي والجهد المضني يعد خسارة كبيرة لا تعوض وقد أشرت إلى ذلك في مقال سابق عن «مؤشرات التنمية بين الجمود الإداري والحاجة إلى التغيير»، حيث قدرت دراسة حول الاستثمار في رأس المال البشري «الفاقد المالي» المترتب على بطالة المتعلّمين في سوق العمل السعودي بنحو 170 مليار ريال عام 1428/1429هـ وفقاً لما أشار إليه التقرير الذي أعد لـ «الاقتصادية» لعدد الثلاثاء 5/1/1431هـ على هامش منتدى الرياض الاقتصادي.
ثانياً: فئة الموظفين على رأس العمل من ذوي المؤهلات العالية والتدريب الجيد والخبرة المميزة الذين يقبعون في مراكز وظيفية لا تناسب قدراتهم في القطاع العام أو الخاص في الوقت الذي تعاني فيه تلك الجهات تبعات الفشل الإداري لبعض من احتلوا تلك المراكز بالتملق والتسلق والواسطة.
إن هناك فرصا كبيرة لتوظيف السعوديين في القطاع الخاص وفرصا أقل لتوظيفهم في القطاع الحكومي كافية لأن توظف كل المؤهلين منهم، أو على الأقل قادرة على إحلال كثير من السعوديين المميزين مكان المقيمين غير المميزين، إذ إن نسبة السعودة في القطاع الخاص لا تزال مخجلة جداً حيث لم تتجاوز 15 في المائة حتى نهاية عام 1429هـ ولم تصل إلى هدف الدولة عند إصدار القرار الوزاري رقم 50 المتضمن إلزام القطاع الخاص بتخصيص 5 في المائة سنوياً من وظائفه للسعوديين بغية الوصول إلى نسبة سعودة لا تقل عن النصف عام 1431هـ وفقاً لما نشر في صحيفة «الجزيرة» عن السعودة في السادس من جمادى الآخرة 1430هـ، أعتقد أن الواقع يثبت كثيراً عكس ما يقول بعض فلاسفة العمل «من المسئولين أو التنفيذيين من غير السعوديين أو من السعوديين الذين يعيشون في أبراج عاجية !! بأن الموظف السعودي لا يجيد العمل أو غير جاد أو ليس لديه طموح أو لا يستطيع أن ينمي خبراته ويطور ذاته في مجال مسئوليات عمله، فالشاب السعودي أثبت نجاحه وقدرته على التأقلم والعمل بجد وإخلاص وهو محل للثقة والتقدير بكل صدق وأمانه متى ما توافرت له بيئة العمل المنظمة والمحفزة، هذه البيئة التي هي مطلب للسعوديين والإخوة المقيمين، التي تتسم بما يلي:
1 - بيئة عمل منظمة بمسئوليات واضحة تظهر الإيمان بقدرات الموظف وتشعره بالاحترام والثقة وتعطيه الفرصة للتأقلم وفهم طبيعة عمله.
2 - الحوافز المادية والمعنوية الجيدة التي تتناسب مع ما ينتجه الموظف وتُمنح له وفقاً لمعايير واضحة تطبق على الجميع بعدل دون واسطة أو محسوبية.
3 - تدريبه جيداً وفقاً لخطة تدريب تتناسب مع مسار الموظف الوظيفي وتلائم مسئولياته وتخصصه.
بل أنا على ثقة بأن بيئة العمل الصحية والجيدة القادرة على رفع كفاءة وإنتاجية الأجنبي قادرة في الوقت ذاته وربما أكثر على تشجيع السعودي ورفع إنتاجيته وجعله أكثر تميزاً وإبداعاً، ودليل ذلك وجود عديد من كبار المسئولين والمديرين التنفيذيين حولنا يثيرون الإعجاب والتقدير، ومثلهم آلاف الموظفين نساء ورجالاً في مكاتب الصرافة و»كونترات المحاسبة في البنوك وفي شركات الاتصالات والمستشفيات وغيرها، بل حتى في الجهات الحكومية الأقل تحفيزاً إذا ما توافرت الإدارة الجيدة والمنظمة كما هو الحال في صالات الجوازات وصالات الأحوال المدنية وكثير من أماكن العمل العامة والخاصة.
ختاماً: أنا هنا لست ضد توظيف غير السعوديين المتميزين والمبدعين، بل مع استقطابهم من كل العالم مهما كانت جنسياتهم، إنما ضد توظيف غير المتميزين من خارج الوطن فيما هناك أفضل منهم يعيشون على أرصفة البطالة كأنما هم غرباء على أرض وطنهم، لذا فأنا أطالب بإيجاد مركز قياس وطني مستقل ومعتمد يُخضع المتقدمين له من السعوديين وغيرهم لاختبارات ومقابلات تقيس كل الجوانب المعرفية والمهارية والنفسية بشكل دقيق وعادل مبنية على معايير مهنية عالمية معتمدة، ويقوم بمنحهم شهادات ذات تصنيف معياري موثوق كما يقوم بترشيحهم للجهات طالبة العمل من القطاعين العام والخاص على المراكز الوظيفية التي تناسبهم ويناسبونها، وبهذا نستغل الموارد البشرية الوطنية والوافدة بشكل أفضل ونرفع من كفاءة وإنتاجية الجهات التي ينتمون لها. ودمتم بخير وسعادة.