منتدى دافوس بين حيرة التفاؤل والحذر
أبدى المشاركون في جلسات منتدى دافوس 2010 شيئا من التفاؤل رغم أنهم كانوا في حيرة من أمرهم وتردد عند تنبؤهم بحالة الاقتصاد العالمي ومستقبله. ففي الوقت الذي ظهر للجميع أن حزمة التحفيز التي قامت بها دول مجموعة العشرين قد ساعدت على تعافي الاقتصاد العالمي وخروجه من أزمته المالية، إلا أن “لاري سمرز” المستشار الاقتصادي للرئيس الأمريكي يخشى أن ذلك التعافي ليس سوى مجرد أرقام إحصائية فقط بينما الواقع الذي يعيشه العمال وتزايد معدلات البطالة يشككان في مثل هذا التعافي. ويبدو أن الأصوات المتفائلة بانتهاء الأزمة الاقتصادية العالمية كانت تخف مع مرور وقت جلسات منتدى دافوس. ففي هذا الاتجاه تحدث رئيس البنك الدولي دومينيك ستراوس وأثار المخاوف بشأن العودة إلى النمو السلبي إذا سحبت الحكومات حافز الإنفاق بسرعة كبيرة جدا، وهي الرسالة نفسها التي أتى بها رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر داعما فكرة الخروج من برامج التحفيز الحكومية في أول حديثه ليعود مستدركا بأنه من السابق لأوانه التخلي عنها. وبين التفاؤل والحذر أكد لي كيكيانج نائب رئيس مجلس الدولة الصيني في رسالته الخاصة للمنتدى أن الصين ستعزز الطلب المحلي لدفع عجلة النمو الاقتصادي لكنه عاد وأشار إلى حالة عدم اليقين الاقتصادي نظرا لما يكتنف الاقتصاد الصيني من تعقيدات شديدة.
وتفاؤلا، يمكن القول إنه وفي ظل ضغط الأحداث الذي لا يلين على الأفكار الاقتصادية دائما ما تجد الأفكار الجديدة طريقها للنور. فلم يكن ما واجه الرأسمالية من نقاش في منتدى دافوس وبدأ به رئيس الوزراء الفرنسي الذي شدد على النسق الأخلاقي فيها، وما تلاه من نقاشات خطيرة حول إعادة لتفكير حولها هو الأول من نوعه بل لقد تعرضت طوال عمرها الممتد لقرون عدة للكثير من النقد والتغيرات الجوهرية، ومع ذلك فقد حافظت بكل جدارة على مكانتها في تفسير الظواهر الاقتصادية والتنبؤ بها. لكن مصدر هذه القوة لم يكن كامنا في النظرية نفسها بقدر ما كان في أولئك الذين آمنوا بها والذين كانوا قادرين في كل مرة على تقديم فروض وتفسيرات جديدة تحمي قلب النظرية من الهجوم. في هذا المسار الشائك اتجهت مناقشات منتدى دافوس إلى أن الخروج من أزمة الرأسمالية وضمان عدم تكرارها لن يحدث إلا بتعاون دولي من خلال تعزيز الاستهلاك في الدول ذات فائض الميزان التجاري لمصلحة الدول القابعة في الركود كما يعتقد ساركوزي، ومطالبات بإصلاحات مالية شاملة لوضع البنوك، ووضع لوائح مالية صارمة كما يشجع على ذلك الرئيس الكندي. ومع ذلك فقد كان الشك مرة أخرى يسري في أروقة المنتدى حول جدية الدول في المضي قدما في هذا الطريق. فبينما يتفاءل البعض بخطة أوباما لتفكيك البنوك الكبيرة بدعم من الاستياء العام لحقيقة أن البنوك استفادت من دعم الحكومات وقامت بتعزيز مكافآت الرؤساء التنفيذيين بحجة تحسن نتائج البنوك، فقد أثيرت الشكوك حول نجاح تلك المساعي الرامية إلى الحد من نفوذ البنوك وتأثيراتها الخطيرة في الاقتصاد الرأسمالي. غير أنه يمكن القول بمزيد من الثقة إن المستفيدين من الوضع الاقتصادي السائد دائما ما يسعون إلى مقاومة التغيير أو التقليل من شأنه طالما أنه سيتسبب في تقليص مصالحهم. وفي ظل هذا المد والجزر للأفكار الاقتصادية فإن التغيير في الفكر الاقتصادي بشكل عام يحدث بطيئا وبطريقة لا تتناسب عادة مع ما تعانيه الشعوب، ولعل ما شهدته أروقة منتدى دافوس الاقتصادي من طروحات وآراء تؤكد هذه المقولة تماما.