اقتصاد هايتي لا يتحمل تداعيات زلزال مدمر
يخشى أن يتسبب الزلزال المدمر الذي ضرب هايتي في العاشر من كانون الثاني (يناير) الجاري في تعقيد الظروف الاقتصادية لهذه الجزيرة الواقعة في منطقة الكاريبي في أمريكا الوسطى. حقيقة القول، يعد الفقر في هايتي الأسوأ على الإطلاق في النصف الغربي من العالم يبلغ متوسط الدخل في هايتي 1300 دولار سنويا أي 11 دولاراً شهريا. وعلى هذا الأساس، يأتي ترتيب الدخل في هايتي في المرتبة رقم 203 على مستوى العالم. في المقابل، يبلغ متوسط الدخل في لوكسمبورج 79.485 سنويا أي الأعلى على مستوى العالم.
تداعيات محتملة
وليس من المستبعد أن يتسبب الزلزال في تعقيد مسألة التضخم في البلاد. تزيد نسبة التضخم في هايتي عن 15 في المائة حسب الأرقام الرسمية. ومرد توقع زيادة التضخم هو الدمار الذي لحق بالأراضي الزراعية ما يعني نقص المعروض، فضلا عن الحصول على مستوى كاف من العملات الصعبة في ظل تراجع القدرة على التصدير. يشكل ثنائي التضخم والبطالة تهديدا للأمن الاجتماعي.
وكما كان متوقعا فقد طلبت السلطات من الدائنين لها تأجيل دفع أقساط الديون المترتبة وقدرها 1.8 مليار دولار. حقيقة القول، يشكل حجم الدين العام نحو 16 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لهايتي وهي نسبة غير مرتفعة حسب المعايير الدولية. بيد أنه تكمن المشكلة في صعوبة حصول هايتي على تمويل من المؤسسات المالية بسبب عدم قدرة اقتصادها على تحمل أعباء مالية.
مؤشرات مقلقة
إضافة إلى كل ذلك، تعاني هايتي من ضعف الأداء على مؤشرات التنمية البشرية. فقد نالت هايتي نتائج ضعيفة نسبيا على مؤشر التنمية البشرية لعام 2009، حيث حلت في المرتبة رقم 149 من بين 182 مشمولا في التقرير السنوي والذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. يعتمد المؤشر على ثلاث نتائج متغيرات وهي العمر المتوقع عند الولادة ونسبة المتعلمين إضافة إلى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
من جملة الأمور، يبلغ متوسط العمر في هايتي نحو 61 عاما مقارنة بـ 83 عاما في اليابان والذي بدوره يعد الأعلى في العالم. كما تتفشى الأمية في أوساط 47 في المائة من السكان في الوقت الذي نرى اضمحلال خطر الأمية في كثير من الدول وخصوصا الأوروبية منها فضلا عن الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وأستراليا.
انتشار الفقر
تعاني الجزيرة من مشكلة الفقر، حيث يعيش نحو 80 في المائة من السكان. بل يعيش 54 في المائة من السكان في الفقر المدقع نتيجة الظروف المعيشية الصعبة. وللأسف، تسبب الزلزال في تدمير مساحات شاسعة من الأراضي القابلة للزراعة وخصوصا في العاصمة بور أو برنس. تشكل المنتجات الزراعية نحو 70 في المائة من صادرات هايتي، وبالتالي تعد المصدر الأهم للعملات الصعبة والتي بدورها تلعب دورا حيويا في إيرادات الخزانة العامة وبالتالي مصروفات الدولة.
يبلغ عدد سكان هايتي نحو تسعة ملايين نسمة، يعيشون على مساحة قدرها 28 ألف كيلومتر مربع ما يعني عمليا عدم وجود مشكلة كثافة سكانية. ينمو السكان بنسبة 2 في المائة تقريباً وهي نسبة عالية بالنسبة لبلد يعيش ظروفاً اقتصادية صعبة. يشكل السكان دون سن 15 نحو 38 في المائة من السكان ما يعني توقع دخول أعداد كبيرة منهم إلى سوق العمل بحثا عن الوظائف الملائمة. في الوقت الحاضر، يعمل 66 في المائة من السكان في مجال الزراعة والباقي أي 25 في المائة في قطاع الخدمات فضلا عن 9 في المائة في المجال الصناعي. وقد أكدت التقارير الخبرية تعرض القطاع الزراعي لدمار شديد ما يعني خسارة البعض مصدر رزقهم.
مساعدات أمريكية
ويلاحظ في هذا الصدد تسارع الولايات المتحدة في تقديم مختلف أنواع العون لهايتي. يكمن سر الاهتمام الأمريكي بهايتي في قرب الجزيرة من السواحل الجنوبية للولايات المتحدة. وعلى هذا الأساس، تقتضي المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة تقديم مساعدات مالية وعينية للمنكوبين في محاولة لثني الناجين عن محاولة الوصول إلى الأراضي الأمريكية.
وربما بات التدخل الأمريكي والذي وصل لحد إدارة مطار العاصمة حيويا في ضوء انتشار تقارير تؤكد عدم استعداد بعض المسؤولين في الجزيرة لتحمل مسؤولياتهم. فقد لوحظ أن الرئيس رينيه بريفال والذي تم انتخابه في العام 2006 لفترة خمس سنوات قد تحصن في مركز للشرطة القضائية بعد انهيار القصر الجمهوري. يعرف عن بريفال أنه شخص خجول ويتحاشى الظهور الإعلامي، الأمر الذي يفسر ابتعاده النسبي عن شعبه في هذه الفترة الحرجة. ختاما: هناك تشابه لأعداد ضحايا إعصار تسونامي في المحيط الهندي في نهاية 2004 مقارنة بـ زلزال هايتي. فقد تبين لاحقا أن نحو 228 ألف شخص فقدوا حياتهم في 14 دولة وصلتها موجة تسونامي. في المقابل، تشير التقديرات الأولية إلى فرضية مقتل 200 ألف في زلزال هايتي ما يعد واحدا من بين أسوأ الزلازل في التاريخ من حيث حجم الخسائر البشرية.