أداء مالي متماسك للقطاع المصرفي السعودي عام 2009
رغم ما وصفه عدد من المحللين الماليين، أن الأداء المالي للبنوك السعودية للعام المالي المنتهي في 31/12/2009، ظهر متبايناً من بنك محلي لآخر، وبالذات خلال الربع الأخير من العام نفسه، إلا أنه في نهاية المطاف ظهرت نتائج القطاع المصرفي في مجملها قوية ومتماسكة للغاية، بما في ذلك النتائج المالية لعدد من البنوك المحلية، لتعكس بذلك قوة ومتانة القاعدة المالية للقطاع المصرفي السعودي.
الأمثلة على تماسك النتائج المالية للقطاع المصرفي السعودي، في نهاية العام المالي 2009، كثيرة ومتعددة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، تجاوز صافي أرباح القطاع مبلغ 27 مليار ريال مقابل مبلغ 26.2 مليار في عام 2008، بزيادة بلغت نحو 4.1 في المائة، هذا إضافة إلى أن هناك عدداً لا بأس به من المصارف المحلية، قد أظهرت نتائجها المالية نمواً جيداً للغاية في نهاية العام نفسه (2009)، مقارنة بالعام الذي سبقه، في حجم الموجودات، ومحفظة القروض، وودائع العملاء، التي من بينها على سبيل المثال، البنك الأهلي التجاري، الذي أظهر نمواً في حجم الموجودات، وحجم محفظة القروض، وحجم الودائع، بلغ 16.1، 3.9، 17.9 في المائة على التوالي، وبنك الرياض الذي أظهر نمواً في تسلسل العناصر نفسها، بلغ 10.5، 10.5، 19.2 في المائة على التوالي، وأيضاً مصرف الراجحي الذي أظهر نمواً بلغ 4.9، 5.7، و3.4 في المائة على التوالي.
من بين أبرز الأسباب التي أدت إلى ظهور التباين في النتائج المالية للمصارف السعودية في نهاية العام المالي 2009، السياسة المتحفظة، التي انتهجتها المصارف السعودية، في بناء المخصصات المالية لمجابهة التعثرات والخسائر المحتملة في القروض القائمة على العملاء، مما يعني أن التباين في النتائج المالية للمصارف السعودية، لا يعني بالضرورة أن هناك خللاً في الأداء المالي للقطاع، وبالذات عند ربط ذلك الأداء بالمستوى الجيد للأرباح، التي تحققت بنهاية العام، هذا إضافة إلى التحسن الكبير، الذي شهدته معظم البنود المالية لعدد من المصارف المحلية، بمعنى آخر أوضح وأدق، أن ذلك التباين في النتائج ، فرضته ظروف معينة ومحددة، لا تخفى على أحد، تلك المتمثلة في تداعيات وتبعات الأزمة المالية العالمية، التي حلت بالاقتصاد العالمي، وتطلبت أن تدار دفة الأصول والخصوم المالية بالبنوك، بما في ذلك بناء المخصصات بحصافة معينة، تكفل للبنوك الاستمرار في ممارسة أنشطتها المصرفية بالشكل المطلوب، ولكن في الوقت نفسه مع الحفاظ على سلامة مراكزها المالية، وتجنيبها من أن تكون عرضة ــ لا سمح الله ــ للإفلاس أو للانهيار.
رغم سياسة تقييم المخاطر المتحفظة، التي انتهجتها المصارف المحلية في بناء المخصصات المالية للتعامل مع التعثرات والخسائر المحتملة في محفظة القروض، إلا أنها ما زالت تسهم بشكل كبير في تمويل أنشطة القطاع الخاص، حيث بلغ على سبيل المثال، حجم الائتمان المصرفي المقدم للقطاع الخاص في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، نحو 723.4 مليار ريال، والذي يشكل ما نسبته 159.7 في المائة من إجمالي الناتج المحلي للقطاع الخاص (بالأسعار الجارية)، ونحو خمسة أضعاف حجم القروض القائمة الممنوحة من صناديق التنمية الحكومية في نهاية الربع الأول من عام 2009، البالغة 174.4 مليار، هذا، وتجدر الإشارة إلى أن متوسط نسبة النمو في حجم إقراض المصارف المحلية للقطاع الخاص، خلال السنوات الثلاث الماضية، قد تجاوز نسبة الـ 19 في المائة، في حين أن متوسط نسبة النمو في الناتج المحلي للقطاع الخاص (بالأسعار الثابتة) خلال الفترة نفسها قد بلغ نسبة 4.2 في المائة.
رغم استمرار المصارف المحلية في ممارستها للدور التنموي، المنوط بها في دعم التنمية الاقتصادية التي تعيشها السعودية في مختلف مجالات ومناحي الحياة، من خلال الاستمرار والتوسع في تمويل المشاريع والأنشطة التنموية المختلفة، التي يقوم بتنفيذها القطاع الخاص، إلا أنه لا يزال هناك تساؤل يثار من قبل البعض من وقت لآخر، حول سياسة المصارف المتعلقة بالإقراض، ومدى جديتها في مواكبة التوسع، الذي طرأ على حجم المشاريع، وبالذات في ظل تحفظها وتشددها الشديدين، في منح القروض للقطاع الخاص، الذي وصل إلى درجة، وكما وصفه البعض، بالإحجام.
لعله من الضروري جداً أن أوضح في هذا الخصوص، أن الإقراض يعد من بين أهم مصادر الربحية للبنوك، وبالتالي أعتقد أن وصف البنوك بأنها محجمة عن الإقراض وعن تمويل المشاريع التنموية، فيه شيء من الإجحاف، ولا سيما حين النظر إلى ضخامة حجم التمويل التراكمي، الذي قدمته البنوك للقطاع الخاص على امتداد خطط التنمية الخمسية المتعاقبة للمملكة، ولكن لربما ما يغيب عن ذهن الكثيرين، أن البنوك المحلية تلتزم عند تقديمها للقروض سواء للأفراد أم للشركات، بتطبيق ما يعرف بمعايير الجدارة الائتمانية، وكذلك المعايير الخاصة بملاءة المقترض وبجدوى المشروع، بهدف تقليل عدد حالات التعثر إلى أقل نسبة ممكنة، للحفاظ على أموال المودعين والمؤسسين والمساهمين، وحمايتها من أن تكون عرضة للضياع أو للخسارة، وبالتالي فإن إدارة البنوك المحلية للمخاطر الائتمانية عند منحها للقروض، يعد أمراً حتمياً مفروغاً منه، لا يمكن إغفاله أو تجاهله بأي حال من الأحوال، وبالذات في ظل ظروف ومستجدات ومتغيرات اقتصادية عالمية صعبة، تسببت في انهيار عدد كبير من المصارف والمؤسسات المالية على مستوى العالم، بسبب عدم الالتفات للمخاطر وإدارتها بالشكل السليم.
خلاصة القول، أنه على الرغم من الظروف المالية والاقتصادية الصعبة، التي تعيشها معظم اقتصادات دول العالم، بسبب تبعات الأزمة المالية العالمية، إلا أن القطاع المصرفي السعودي استمر في تحقيقه نتائج مالية جيدة في نهاية عام 2009، ويتوقع له ــ بإذن الله تعالى ــ ثم بفضل السياسة النقدية، والسياسة الإشرافية والرقابية الحصيفة، التي تتبعها مؤسسة النقد العربي السعودي، أن يستمر القطاع في الأداء المالي الجيد، بما في ذلك التوسع في الأنشطة المصرفية المختلفة، التي من بينها منح القروض، سواء للأفراد أو للشركات، بالشكل الذي يوازن في نهاية المطاف بين العوائد والمخاطر، ويعمل في الوقت نفسه في مصلحة المقترض، والمصرف والاقتصاد الوطني، والله من وراء القصد.