الحاجة للإسكان بين الوهم والحقيقة!!
يشكو الجميع من الحاجة إلى الإسكان، فهناك من يعتقد أن أكثر من 60 في المائة من المواطنين لا يملكون مساكن، والبعض الآخر يعتقد العكس بأنه فقط 40 في المائة لا يملكون مساكن. وطبعاَ العتب على عدم وجود قاعدة المعلومات الدقيقة، وهي ما يجعل التخطيط لتلبية الطلب على الإسكان غير مجدية. وتسعى الدولة ومن خلال الهيئة العامة للإسكان لإيجاد الحلول وتلبية الطلب على الإسكان للمحتاجين، ولكن الغريب أنني لاحظت أنه بالرغم من الشكوى من قلة الإسكان، إلا أن مجموعة كبيرة من المواطنين يملكون أكثر من مسكن. بل إن بعضهم لا يملك بيتاَ في المملكة (بيته مستأجر)، ولكنه يملك بيتاَ في الخارج. وهناك من لديه مسكن في مدينته وآخر في مدن أخرى من المملكة. وبعضهم وهم كثيرون يملكون شققا وفللا خارج المملكة، وما أكثرهم في القاهرة، وبيروت، ودبي، وجنيف، ولندن، وإسبانيا، بل إن البعض لديهم أكثر من مسكنين وتصل إلى أربعة أو خمسة أحيانا. وكذلك الحال للطلب على الأراضي، فنحن نرى أن هناك كثيرين ممن يمنحون أراضي بآلاف الأمتار أو أكثر، بينما البعض الآخر لم تصله منحة ولو بـ 500 متر. إذاَ فنحن نعيش حالة من ظاهرة عدم تكافئ الفرص المعيشية. فنظامنا الاقتصادي قد يكون يشوبه نقص في التركيبة والهيكلة، ما يمنع المحتاجين من الحصول على سكن. وفي الوقت نفسه نرى ونلاحظ أن نظامنا الاقتصادي مكن كثيرا من الأجانب الذين قدموا إلى المملكة، وهم فقراء أن يصبحوا أغنياء، فكيف نجد عندنا فقراء، بينما هناك فرص لغيرنا ليصبحوا أغنياء.
الظاهرة الأخرى التي تستحق منا الوقوف عليها هي ما يقوم به البعض من الاستغلال السيئ للقرض ودون حق. فأحد شروط طلب القرض هي ألا يكون طالب القرض يملك بيتاً ملكية مستقلة، ويستثنى من ذلك أصحاب البيوت القديمة غير الصالحة للسكن التي يرغبون هدمها وإعادة بنائها. ولكن ما نراه حالياَ ومن خلال طلبات صندوق التنمية العقارية أن هناك كثيرا من الأغنياء الذين يمتلكون مساكن، أصبحوا يستغلون الصندوق، ويأخذون فرص غيرهم من المحتاجين. والبعض الآخر لا يسدد القرض، وبذلك يمنع أو يؤخر غيره من حقه في الحصول على المسكن.
هذه الظواهر تستحق أن ننظر فيها ونتمعن فيها كخلل يجب دراسته وتفاديه للتأكد من مدى حاجتنا للإسكان، أو على الأقل ادعاء البعض حاجتهم إلى الإسكان وهم غير محتاجين له فعلاَ، وما إذا كانت تلك الحاجة هي مثل البطالة المقنعة أصبحت الحاجة المقنعة للإسكان.
ومن المنطلق نفسه، فهي فرصة لمحاولة من الذين يحتاجون إلى الإسكان، وحجم الطلب الفعلي، وليس الوهمي، ومن ثم تصنيف المحتاجين، حسب حجم كل أسرة، حيث لا نعطي حديثي الزواج ومن ليس لديهم أولاد سكن أكبر من حاجتهم. وفي الوقت نفسه نعطي أصحاب العائلات الكبرى سكنا أكبر.
وإحدى أهم الممارسات التي قد تساعد على القضاء على هذه الظاهرة هي ألا يسمح لمن أعطي منحة، سواء أرض أو بناء أن يبيعها ويضارب بها، وأن يتم تهميش صك الأرض أو الملكية، ووضع نص أنه لا يجوز بيع هذه الأرض، وهو نظام مطبق في كثير من الدول ومنها الإمارات. وهذا الحل يجعل كثيرين يحجمون عن مزاحمة غيرهم من المحتاجين إذا عرفوا أنهم لن يستطيعوا أن يستفيدوا منها لغرض المتاجرة.
وقد تكون هناك حلول أخرى وكثيرة، إلا أننا يجب أن نولي دراسة الحاجة الحقيقية للإسكان حقها من التدقيق، والتأكد من حجم الطلب على الإسكان وحجم الحاجة والمحتاجين الفعلين له. وتصنيفهم حسب مستوى الحاجة، سواء إسكان الفقراء أو متدني الدخل ثم قليلي الدخل ثم متوسطي الدخل. وأن نحدد في ضوء قاعدة معلومات دقيقة حجم الحاجة التي تحتاج إليها، حتى لا نوفر إسكانا أكثر مما ينبغي أو نبني أقل مما نحتاج.
آمل ألا ينزعج من هذا الطرح من هم في حاجة إلى الإسكان، فأنا أعلم أن هناك حاجة ماسة، ولكنني أرى أن بعضنا ما زالوا أنانيين، ويحاولون أن يسرقوا، أو يأخذوا فرص من هم أكثر حاجة منهم إلى الإسكان. وهؤلاء يجعلون حجم الطلب أو الرقم الذي يجب أن يوفر من الإسكان مبالغ فيه. وهذا قد يجعل الأمور أكثر صعوبة لمن يحاول أن يحل مشكلات الإسكان. ولو تخلصنا من هذا الطلب الوهمي لأصبح العدد المطلوب أقل وأكثر إمكانية في الوصول إليه وتحقيق كفاية المحتاجين للإسكان.