الدخان أشد خطرا من إنفلونزا الخنازير
إذا كانت «الخمر» أم الخبائث كما ورد في الأثر.. فإن الدخان بلا منازع هو «أبو الخبائث» وبداية كل سلوك سيئ وهو القاسم المشترك لأسباب الجرائم كما يؤكد المحققون الذين وجدوا أن تعاطي المخدرات واللواط والاغتصاب تبدأ من قبول هدية سيجارة من مجرم متمرس لحدث جاهل.
وقبل ثلاثة أسابيع قمت بزيارة للجمعية الخيرية لمكافحة التدخين في الرياض «نقا» بدعوة من عضو مجلس إدارتها الأخ ياسر بن حسن المسحل حيث التقيت أمينها العام سليمان بن عبد الرحمن الصبي وعددا من المسؤولين في الجمعية وسعدت وحزنت خلال ساعة كاملة قضيتها في مكاتب الجمعية.. سعدت بمشاهدة أفواج من شباب علمت أنهم طلاب مدارس جاءوا لمعرفة أضرار التدخين والحذر منه.. لكنني حزنت للأرقام التي استمعت إليها حول أضرار التدخين وانتشاره في مجتمعنا وحزنت أكثر حينما رأيت شابين أو ثلاثة تراوح أعمارهم بين 18 عاما و23 عاما وقد شحبت وجوههم وذبل شبابهم.. ثم سعدت لأنهم أدركوا الضرر الصحي والاجتماعي فسارعوا لطلب العلاج قبل فوات الأوان.. ولقد رسخت كلمات أحدهم في ذهني حينما قال: «أنا أكبر إخواني وقد أدركت أنني سأكون قدوة سيئة لهم ولذا قررت الإقلاع عن التدخين وجئت إلى هنا طلبا للعلاج» ومن الأرقام والنسب الموثقة عن انتشار وباء التدخين في مجتمعنا أن بلادنا قد احتلت المرتبة 23 من حيث استهلاك الفرد على المستوى العالمي.. من بين 193 دولة أعضاء في منظمة الصحة العالمية. وإن المدخنين لدينا قد بلغت نسبتهم بين البالغين أكثر من 30 في المائة وبين المراهقين أكثر من 38 في المائة ومن النساء حوالي 10 في المائة وبذلك بلغ إجمالي عدد المدخنين من سكان المملكة حوالي ستة ملايين مدخن ولذا فقد بلغت قيمة الواردات من الدخان عام 1426هـ 1700 مليون ريال، ولا شك أن الأرقام والنسب السابقة مؤلمة ومؤسفة للغاية لكن هناك بعض النسب النوعية التي سأقوم بذكرها أشد إيلاما من السابقة وهي أن نسبة المدخنين في القطاع الصحي في مدينة الرياض من الرجال قد بلغت 48 في المائة ومن النساء 18 في المائة وذلك حسب تقرير اليوم العالمي لمكافحة التبغ، الصادر من منظمة الصحة العالمية عام 2006م. أما دراسة الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين بالمنطقة الشرقية فقد أظهرت أن 38 في المائة من الطلاب يدخنون وأن 68 في المائة منهم ابتدأ التدخين في الصف الخامس الابتدائي. وفي دراسة للجمعية على إحدى إصلاحيات الرياض وجد أن أكثر من 95 في المائة من المتهمين في قضايا المخدرات قد دخن السجائر قبل الخامسة عشرة من العمر.
وأخيرا: وبعد هذه الأرقام والنسب المذهلة.. ما هي الحلول للوقوف في وجه هذا الوباء الذي لا يقل خطورة عن مرض إنفلونزا الخنازير الذي دقت طبول الحرب عليه ورصدت المليارات لتوفير العلاج واللقاحات الواقية منه..؟!
يقول أصحاب الشأن وأقول معهم إن الحزم في اتخاذ الإجراءات الوقائية هو الحل ومن ذلك منع التدخين في الأماكن العامة وحظر الدعاية المباشرة وغير المباشرة للتبغ ومشتقاته والأهم من كل ذلك إصدار لوائح نظام مكافحة التدخين، الذي وافق عليه مجلس الوزراء عام 1424هـ وكلف وزير الصحة بإصدار لائحته التنفيذية.. ولم تصدر تلك اللائحة حتى الآن!! والخلاصة: إن انتشار التدخين في مجتمعنا وزيادة عدد المدخنين مقابل تناقص المدخنين في الدول المتقدمة لا يبشر بخير وسيظل هذا التصاعد في التدخين بين الشباب والفتيات ما دام في الرياض وحدها حوالي 500 محل لبيع الجراك ومستلزمات الشيشة.. وما دام لا يمنع بيع الدخان لصغار السن، بل إن بعض المحال أصبحت تبيع الدخان مفردا تسهيلا على الصغار، ويبقى بعد ذلك دعم جمعيات مكافحة التدخين بنسبة من جمارك مستوردات التدخين لكي تقيم أوقافا تضمن لها استمرار التوسع في نشاطاتها المحدودة حاليا بسبب ضعف مواردها.