جهود سعودية للتحول إلى مجتمع رقمي
أولت الحكومة السعودية منذ وقت بعيد جدا، اهتماما كبيراً للتحول إلى مجتمع رقمي، حيث تعود بدايات استخدامات تقنية المعلومات في السعودية إلى عام 1382، عندما كانت تستخدم مصلحة الإحصاءات العامة الخادمات الحاسوبية كبيرة الحجم آن ذاك، في إنجاز عدد من أعمالها، ثم بعد ذلك شهدت حقبة التسعينيات الهجرية، انتشاراً لاستخدامات تطبيقات تقنية المعلومات بعدد من الأجهزة الحكومية السعودية، والقطاع الخاص، التي ركزت في استخداماتها على مجالات حياتية متعددة ومتنوعة، مثل المجالات المالية والصناعية والتجارية والتعليمية والصحية، بهدف تحسين الإنتاج وتحسين الأداء.
حقبة السبعينيات الميلادية من القرن الماضي، شهدت في المملكة تحولاً ملحوظاً في استخدامات تطبيقات تقنية المعلومات، وبالذات من قبل عدد من الشركات الحكومية وشبه الحكومية الكبيرة، ومؤسسات القطاع الخاص، مثل شركة أرامكو، وشركة سابك، وشركة الاتصالات السعودية والخطوط السعودية، والبنوك السعودية، إذ تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 80 في المائة من شركات القطاع الصناعي تستخدم اليوم استخدامات وتطبيقات تقنية المعلومات المختلفة.
تجدر الإشارة إلى أن التعاملات الإلكترونية الحكومية، تُعرف على أنها «الاستخدام التكاملي الفاعل لجميع تقنيات المعلومات والاتصالات بهدف تسهيل وتسريع إنجاز التعاملات المختلفة داخل الأجهزة الحكومية بالدقة المطلوبة»، وتنقسم تطبيقات تقنية المعلومات إلى ثلاثة أقسام رئيسة هي: (1) تطبيقات نمطية أو تقليدية تتعلق بأنظمة شؤون الموظفين، والأنظمة المالية، وأنظمة حفظ المستندات وغيرها. (2) تطبيقات وتعاملات مشتركة بين عدد من الجهات الحكومية، كنظام طلبات الاستقدام. (3) تطبيقات خاصة بالجهات الحكومية.
بهدف تطوير التعاملات الإلكترونية الحكومية في السعودية، تم من خلال ما يعرف ببرنامج «يسر»، تطوير استراتيجية وطنية وخطة تنفيذية، تستهدف تمكين جميع أفراد المجتمع من أي مكان وفي أي وقت من الحصول على خدمات حكومية إلكترونية متميزة، تقدم بطريقة متكاملة وسهلة من خلال عديد من الوسائل الإلكترونية الآمنة.
من بين أبرز الأهداف الاستراتيجية لتطبيق التعاملات الإلكترونية الحكومية في المملكة، توفير 150 خدمة حكومية إلكترونية في نهاية العام الجاري، بمستوى عال من الجودة والأمان من أي مكان داخل المملكة وخارجها على مدار الساعة. ومن بين الأهداف كذلك المساهمة في بناء مجتمع معلوماتي في المملكة من خلال نشر ثقافة المعرفة المعلوماتية وتفعيل استخدامات التعاملات الإلكترونية.
من بين الجهود السعودية المرتبطة بتطوير التعاملات الإلكترونية في المملكة الجهود التي تبذلها شركة «العلم» لأمن المعلومات، التي تأسست عام 1406هـ، بصفتها شركة أبحاث في مركز المعلومات الوطني، ونظراً لنجاحاتها المتواصلة التي تحققت في مجال تقنية المعلومات واستخداماتها، تم تحويلها بموافقة مجلس الوزراء على تحويلها إلى شركة مساهمة، ونقل ملكيتها إلى صندوق الاستثمارات العامة بتاريخ 2/11/1428، وخلال السنوات الأخيرة تمكنت الشركة من تقديم أكثر من 15 خدمة إلكترونية أساسية، تم من خلالها تنفيذ عشرات الملايين من المعاملات الحكومية المتفرقة، بمنتهى السرعة والخصوصية والأمان الإلكتروني المطلوب، ومن بين أبرز الخدمات الإلكترونية الأساسية التي تقدمها الشركة خدمة (مقيم)، التي تمكن المشترك من البحث عن المعلومات الكاملة لأحد المقيمين العاملين لديه، هذا إضافة إلى استخراج تأشيرات الخروج والعودة والخروج النهائي إلكترونياً في حدود ثلاث دقائق، من خلال التعاون مع المديرية العامة للجوازات، دون الحاجة للجوء إلى الطريقة التقليدية السابقة المتبعة في إصدار التأشيرات، التي كانت تهدر الكثير من الوقت والجهد والمال.
في إطار الجهود الخاصة بمكافحة الجرائم المعلوماتية، أقر مجلس الوزراء في عام 1428هـ نظاما لمكافحة الجرائم المعلوماتية، وذلك بهدف الحد من انتشارها، حيث فرض النظام عقوبة السجن لمدة لا تزيد على السنة وبغرامة مالية لا تزيد على 500 ألف ريال أو بإحداهما، على كل شخص يرتكب أياً من الجرائم المنصوص عليها في النظام، التي من بينها على سبيل المثال، الدخول غير المشروع إلى أي موقع إلكتروني، بهدف الإتلاف أو الإلغاء أو التغيير أو التعديل أو شغل عنوانه أو المساس بالحياة الخاصة بالناس.
تقديراً للجهود السعودية في مجال تطوير التعاملات الإلكترونية، حصلت على المملكة على أربع جوائز خليجية، من بينها الجائزة التي حصل عليها برنامج «يسر»، والجائزة التي حصل عليها نظام سداد للمدفوعات، والجائزة التي حصلت عليها البوابة الإلكترونية الخاصة بمحافظة جدة.
رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الحكومة السعودية في الماضي ولا تزال، في سبيل تحويل المجتمع السعودي إلى مجتمع رقمي ومجتمع معرفي ومعلوماتي، إلا أن الحاجة لا تزال ماسة إلى تطوير قدرات أفراد المجتمع السعودي بشكل متساو ومتكافئ، للتعامل بشكل أفضل مع التطبيقات والتقنيات المعلوماتية المختلفة، بهدف مضاعفة الفوائد المرجوة من الاستخدامات المختلفة لتقنية المعلومات، لا سيما وأنه وعلى الرغم من تلك الجهود، فإن الاستخدامات لا تزال محدودة وبالذات في مجالات معينة ومحددة كالتجارة الإلكترونية، حيث تشير المعلومات إلى أن حجم الإنفاق السنوي في سوق قطاع تقنية المعلومات في المملكة قد بلغ نحو ثمانية مليارات دولار أمريكي خلال عام 2008، فيما بلغ على مستوى العالم نحو سبعة تريليونات دولار في عام 2007.
خلاصة القول، إنه على الرغم من الجهود الكبيرة، التي بذلتها الحكومة السعودية في سبيل الارتقاء بمستوى أفراد المجتمع السعودي، المرتبط باستخدامات تقنيات المعلومات المختلفة، وذلك من خلال إقرار استراتيجية وطنية لاستخدامات المعلوماتية، وتبني تطبيق برنامج «يسر» للتعاملات الحكومية الإلكترونية، إلا أن استخدام المعلوماتية والتقنيات المرتبطة بها لا يزال ضعيفا في السعودية، دون مستوى الطموح المطلوب، وبالذات في مجالات تقنية معينة مثل التجارة الإلكترونية، مما يفرض الحاجة إلى تبني تطبيق المزيد من برامج التوعية باستخدامات المعلوماتية والتقنيات الملازمة لها، وذلك بهدف توسيع نطاق ومجالات الاستخدامات، بالشكل الذي يساعد على تحويل المجتمع السعودي من مجتمع تقليدي في استخدام المعلومات إلى مجتمع معرفي، يعتمد بشكل كبير في إنجازه لتعاملاته على الإبداع والابتكار والمعرفية، والله من وراء القصد.