كيف تفوز بجائزة نوبل؟
ماذا يعني أن تكون طالبا في كلية الطب وتقضي ساعة مع ثلاثة من علماء نوبل في قاعة واحدة؟
إنه يعني أننا في مرحلة جديدة بحق ! هذا ما حدث بالضبط في القاعة الرئيسية بكلية الطب جامعة الملك سعود في الأسبوع المنصرم.
أحدهم اكتشف الحمض النووي (وقد يكون هذا أهم كشف علمي في هذا القرن) والثاني اكتشف (نايتريك أكسيد) والذي أدى إلى اكتشاف أدوية كثيرة مركزية في علاج أمراض القلب والشرايين، وكذلك إلى اكتشاف عقار (فياغرا)، والثالث اكتشف بروتينا مهما جدا في البيولوجيا الخلوية.
سألوا البروفيسور لويس إجنارو : كيف يفوز الإنسان بجائزة نوبل؟
قال: لا بد من أن يتوافر في الكشف العلمي الذي يرشح من خلاله العالم للجائزة شرطان. الشرط الأول أن يكون كشفا علميا أصيلا بدأ فرعا جديدا في العلم أو غيَّر مجرى التفكير الإنساني في مشكلة ما، أو حل مشكلة علمية أرقت العلماء، ولا يكفى أن يكون تقدما ملحوظا في فرع من العلوم أو توضيحا مهما لحقائق علمية. والشرط الثاني أن يكون ثبت نفع هذا الاكتشاف للبشرية، ثم استدرك إجنارو وقال: والشرط الثالث أن يكون العالم محظوظا !
وسألوه: ما الصفات التي تتحلى بها، التي ساعدتك على الوصول إلى هذه الجائزة العريقة؟
قال: ربما صفتان: أنني إذا اقتنعت بشيء وأردته فإني أبذل المستحيل حتى أصل إليه، لا تصدني العقبات ولا توقفني المعوقات، والثاني أنني أعمل بجد وهمة ودأب. قال: كنت ولمدة 30 عاما وأكثر، أفتح باب المعمل الساعة الرابعة والنصف صباحا، وأظل أعمل فيه إلى السابعة مساء ! 30 سنة لا أكل ولا أمل، إنها صفات العظماء والناجحين دوما: رؤية واضحة وهمة عالية.
ثم طفق يصف حياته الآن بعد الجائزة على الصعيدين العام والخاص، فعلى الصعيد العام، قرر أن يخفف من البحث العلمي قليلا، ويكرس حياته كلها لنشر مبادئ الحياة بطريقة صحية من حيث الغذاء والرياضة، فقام بالتمرن لجري أول ماراثون في حياته وقام بالفعل بذلك وهو فوق الستين من العمر وجرى بعده حتى الآن سبعة ماراثونات. وأخذ يجوب العالم بغرضين : تحفيز العلماء الشباب والباحثين إلى بذل مزيد في محراب العلم، ومشاركتهم خلاصة تجربته العلمية، وإلى نشر ثقافة الغذاء السليم والرياضة بين العامة. وأما على الصعيد الشخصي، فقد وصف الرجل أحلامه الشخصية في اقتناء سيارة أحلامه التي طالما دغدغت آماله، ولقاء مطربه المفضل الذي كان لقاؤه حلما له بحق وكيف أنه الآن يحققها بإنسانية وبساطة عجيبة.
وكان من أكثر ما لفت نظر الحضور أنه ابتدأ محاضرته بقوله: أن والديه مهاجران من إيطاليا، وأنه يفتخر بذلك كثيرا، ولكنه زاد وصدم الجمهور بقوله إن والديه كليهما كانا أميين ولم يتلقيا أي تعليم البتة !
بعده تحدث البروفيسور تيم هانت ووصف رحلته العلمية التي لا تقل بريقا ولا حكمة من إجنارو. ومما زاد الحفل روعة أنه كان بمشاركة طلابية رائعة حيث بهر هؤلاء العلماء طلابنا بتواضعهم الجم، وتبسطهم الجميل حتى قال لي أحد الطلاب إن علماء نوبل أسهل للوصول إليهم وللنقاش معهم من بعض أساتذتنا! وتأكدت الحقيقة مرة أخرى أن التربية بالقدوة والاحتكاك بالعظماء هو أفضل الطرق، وأقربها إلى الإبداع والتميز، فشكرا لجامعتنا المبدعة على هذا البرنامج والذي لو لم يكن من ثمراته إلا أمثال هذه الاحتكاكات المفيدة لكفاه نجاحا.
أنهى البروفيسور تيم هنت محاضرته بمقولة تركتني أسبح في عالم بديع من التأمل والروعة، قال: إن أجمل ما في العلم أنك أحيانا تصل إلا الحقيقة وتكون أول من يصل إليها، مثل الجزيرة الجديدة التي تكون أقدامك أول أقدام تمشي عليها، إنه شعور رائع لا يعادله شعور. ثم قال ولكن: كيف تعرف أنك وصلت إلى الحقيقة؟ إن للحقيقة علامات، ومن أبرزها أنها بسيطة وواضحة !
كل الحقائق العلمية في هذا الكون بسيطة وواضحة، خد مثلا الخلية، الذرة، البروتون، الجين وهكذا. وقال إن أبرز العلماء هم الذين عندما يتحدثون تظن أنهم لا يفقهون شيئا لقدرتهم الكبيرة على تبسيط الأشياء إلى حقائق بسيطة، وهذا لا يعني أن محتويات وتفاعلات وتفريعات ونشاطات هذه الأشياء بسيطة، بل هي معقدة جدا، ولكن وجودها وتأثيرها فكرة بسيطة وواضحة ليس فيها غبش أو غموض أو تعقيد، وكذلك أيضا كل الحقائق الكونية والاجتماعية وغيرها. قلت: والحقيقة الواضحة البسيطة التي أراها أمامي الآن، ولكن للأسف لست أول من اهتدى إليها، أننا إذا كثفنا جهودنا في الاستثمار في تنمية الإنسان والبذل بسخاء وحكمة معا في نقل التقنية ودفع عجلة الاقتصاد المعرفي، فإن العوائد ستكون كبيرة جدا، ومباركة جدا، ويبدو لي أننا الآن ليس لدينا خيار آخر.