ديوان المراقبةالعامة: مركزه القانوني واختصاصاته (1)

استقبل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يوم الأحد 24/1/1430هـ الموافق 10/1/2010، الأستاذ أسامة جعفر فقيه رئيس ديوان المراقبة العامة وعدداً من المسؤولين في هذا الديوان، حيث سلم رئيس الديوان لخادم الحرمين الشريفين نسخة من التقرير السنوي الـ 49 عن العام المالي 1428/1429هـ. ولعل من المفيد في هذه المناسبة أن أسلط بعض الضوء على المركز القانوني لديوان المراقبة العامة واختصاصاته فأقول ما يلي:
أولاً: حددت المواد 1، 2، 3، و4 من نظام المراقبة العامة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/9 وتاريخ 11/2/1391هـ، المركز القانوني للديوان، حيث نصت المادة الأولى على أن (ديوان المراقبة العامة جهاز مستقل مرجعه رئيس مجلس الوزراء)، ونصت المادة (2) بأن (يُشكل الديوان من رئيس ونائب للرئيس ومن عدد كاف من الموظفين)، وأوجبت المادة (3) على أن (يتم تعيين رئيس الديوان بأمر ملكي، ولا يجوز عزله أو إحالته إلى التقاعد إلا بأمر ملكي، ويعامل من حيث المرتب الشهري ومرتب التقاعد وقواعد الاتهام والمحاكمة معاملة الوزراء)، وقررت المادة (4) أن يتم تعيين نائب رئيس الديوان بأمر ملكي في المرتبة الـ 15. كما خولت المادة (27) من النظام المذكور رئيس الديوان صلاحية وضع مشروع ميزانية الديوان طبقاً للقواعد العامة المعمول بها في الإدارات الحكومية.
بهذه النصوص النظامية يمكن القول إن المشرع جعل ديوان المراقبة العامة جهازاً مستقلاً يتبع الملك بوصفه رئيس مجلس الوزراء وأن يتم تعيين رئيسه وعزله بأمر ملكي وبذلك فقد أبعد المشرع الديوان ورئيسه عن أي تحكم أو تأثير أي سلطة أخرى في الدولة حتى يؤدي اختصاصاته وعمله الرقابي في حيدة وموضوعية.
وضماناً لحيدة رئيس وموظفي الديوان، فقد قررت الفقرة (1) من المادة (8) من نظام ديوان المراقبة العامة أنه (لا يجوز لرئيس الديوان ونائبه ولا أي موظف من موظفي الديوان الآخرين في أثناء توليه وظيفته أن يزاول أي عمل حكومي آخر بمرتب أو بمكافأة من خزانة الدولة أو أن يقبل عضوية أي شركة أو هيئة مالية، سواء كان ذلك بمقابل أو من دون مقابل أو أن يزاول عملا تجاريا أو مهنيا). وإضافة إلى الالتزامات سالفة الذكر فقد قررت الفقرة (2) من المادة المذكورة آنفاً أنه (لا يجوز لأي من رئيس الديوان ونائبه في أثناء توليه وظيفته أن يشتري شيئاً من أموال الدولة أو أن يؤجرها أو يبيعها شيئاً من أمواله أو يقايضها عليه).
وحددت المادتان (7) و(8) من نظام ديوان المراقبة العامة اختصاصات الديوان، حيث نصت المادة (7) على أن (يختص الديوان بالرقابة اللاحقة على جميع إيرادات الدولة، ومصروفاتها، وكذلك مراقبة كافة أموال الدولة المنقولة والثابتة ومراقبة حسن استعمال هذه الأموال واستغلالها والمحافظة عليها). وقررت المادة (8) أنه (تنفيذاً لأحكام المادة السابقة يعمل الديوان على إعداد اللوائح التنفيذية والتصديق عليها من رئيس مجلس الوزراء وإيجاد الأجهزة اللازمة التي تكفل ما يأتي:
1- التحقق من أن جميع إيرادات الدولة ومستحقاتها من أموال وأعيان وخدمات قد أدخلت في ذمتها وفقاً للنظم السارية وأن كافة مصروفاتها قد تمت وفقاً لأحكام الميزانية السنوية وطبقاً للنظم واللوائح الإدارية والمالية والحسابية النافذة.
2- التحقق من أن كافة أموال الدولة المنقولة والثابتة تستعمل في الأغراض التي خصصت من أجلها من قبل الجهة المختصة.
وأن لدى هذه الجهات من الإجراءات ما يكفل سلامة هذه الأموال وحسن استعمالها واستغلالها، ويضمن عدم إساءة استعمالها أو استخدامها في غير الأغراض التي خصصت من أجلها.
3- التحقق من أن كل جهة من الجهات الخاضعة لرقابة الديوان – وفقاً لأحكام المادة التاسعة – تقوم بتطبيق الأنظمة واللوائح المالية والحسابية التي تخضع لها وفقاً لنظامها الخاص تطبيقاً كاملاً وأنه ليس في تصرفاتها المالية ما يتعارض مع تلك الأنظمة واللوائح.
4- متابعة الأنظمة واللوائح المالية والحسابية النافذة للتحقق من تطبيقها وكفايتها وملاءمتها للتطورات التي تستجد على الإدارة العامة في المملكة وتوجيه النظر إلى أوجه النقص في ذلك وتقديم الاقتراحات اللازمة لتطوير هذه الأنظمة واللوائح أو تغييرها).
ويلاحظ من نص المادة (8) سالفة الذكر أن رقابة ديوان المراقبة العامة لا تنحصر في نطاق التحقق من أن مصروفات الدولة تمت طبقاً للأنظمة واللوائح المرعية، وإنما تشمل أيضا التحقق من أن جميع إيرادات الدولة ومستحقاتها من أموال وأعيان وخدمات، قد أدخلت في ذمتها وفقاً للنظم السارية، فالمشرع أكد بهذا النص مبدأ المشروعية وسيادة القانون، وترتيباً على ذلك فإنه إذا قامت جهة حكومية باستحصال وجباية ضرائب أو رسوم أو أي مبالغ تحت أي مسمى من الأفراد وشركات ومؤسسات القطاع الخاص من دون سند نظامي يجيز جباية وتحصيل هذه الأموال، فإن واجب ديوان المراقبة العامة أن ينبه الجهة الحكومية المعنية إلى أن استحصال وجباية هذه الأموال وتوريدها لخزينة الدولة لم يكن مشروعاً ويجب إعادتها إلى أصحابها.
ولعل من المناسب أن أشير في هذا الصدد إلى أنني في مقالي المنشور في جريدة ''الاقتصادية'' بتاريخ 21/10/1430هـ الموافق 10/10/2009، انتقدت الهيئة العامة للاستثمار لجبايتها رسوماً من المستثمرين لم ينص عليها نظام الاستثمار الأجنبي ولم يفرضها أي نظام آخر، وأن استحصال الهيئة المذكورة لتلك الرسوم يشكل مخالفة صريحة للمادة (20) من النظام الأساسي للحكم التي تنص على أنه (لا تفرض الضرائب والرسوم إلا عند الحاجة وعلى أساس من العدل، ولا يجوز فرضها أو تعديلها، أو إلغاؤها أو الإعفاء منها، إلا بموجب نظام).
وأرجو أن يكون ديوان المراقبة العامة قد اتخذ الإجراء اللازم بشأن التحقق من هذا الأمر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي