الإسلام والإعلام .. أضواء على مؤتمر جامعة كولورادو الأمريكية (1)

أمضيت خمسة أيام في جامعة كولورادو في بولدر، حيث عُقد أكبر مؤتمر دولي لمناقشة الإسلام في الإعلام. لقد كانت بادرة طيبة من هذه الجامعة، ولا سيما البروفيسور ستيورت هوفر، مدير مركز الإعلام والدين والثقافة فيها، لتنظيم مؤتمر يتناول فيه المختصون السبل التي يتداول بها الإعلام شؤون العرب والمسلمين.
ولن يكون بمقدوري أن أمنح قرائي الكرام صورة واضحة عما جرى في عشرات الجلسات التي عقدت، لذا سأتناول ما دار في هذا التجمع الكبير الذي حضره كبار العلماء والمختصين بشؤون العرب والمسلمين والإعلام في سلسلة من المقالات وذلك لأهمية ما دار في أروقة هذا المؤتمر. وقبل أن أسرد المواضيع الرئيسية التي تطرق إليها الباحثون، أود أن أذكر بعض الشيء عن الأسلوب الحضاري الذي تعاملت الجامعة به مع المسلمين الذين حضروا الجلسات التي كانت تمتد من التاسعة صباحا حتى الثامنة مساء.
وفي هذا المضمار أقدم شكري الجزيل للبروفيسور هوفر للاستعدادات والنشاطات التي قام بها لخدمة المسلمين المشاركين، رغم قلة نسبتهم، وهذا أمر مؤسف طبعا. البروفيسور هوفر واحد من الأصدقاء، وقد عرفت فيه حنكة وحكمة مفادها احترام وقبول وإيواء الآخر رغم اختلاف فكره وعقيدته ودينه. وتنظيمه للمؤتمر لم يكن إلا لإشاعة ثقافة قبول الآخر في زمن صار فيه تكفير ورفض ومحاربة الآخر سمة عصر تتشابك فيه الصراعات الدينية والإثنية والطائفية.
ففي الكراس الخاص بالمؤتمر، لا بل في الصفحة الأولى منه، كان جدول الصلوات الخمس حسب توقيت مدينة بولدر. وفي الصفحة ذاتها كان عنوان أقرب جامع إلى الحرم الجامعي، حيث عقدت جلسات المؤتمر وطريق الوصول إليه. ليس هذا فقط. لقد قامت الجامعة بتحويل إحدى القاعات الدراسية في البناية التي عُقدت فيها جلسات المؤتمر إلى مصلى فُرشت أرضيته بالسجاد. وأكثر شيء شدني كان الدور الذي قام به البروفيسور هوفر صباح يوم الجمعة. دار هوفر مرتين على القاعات التي كانت تعقد فيها الجلسات - أحيانا كانت هناك خمس جلسات في آن واحد - ليبلّغ بنفسه عن موعد الصلاة في جامع المدينة. وفي هذا الخصوص أيضا علينا أن نذكر الدور الكبير الذي لعبه الطلبة المسلمون في الجامعة والمجلس الإسلامي فيها.
هذه حسنة علينا إبرازها. أنا لست حَكَما ولا داعية ولا شيخا، أنا باحث أكاديمي أحاول جهدي فهم العالم حولي. وأسعى، ضمن الوسع الذي يحمّل الله نفسي، أن أكون منصفا. والإنصاف يدعوني أن أشكر هذه الجامعة أولا لجرأتها في تنظيم مؤتمر حساس كهذا، وثانيا للدور الرائع الذي قامت به لخدمة المسلمين وطقوسهم وعبادتهم وشرائعهم بطريقة افتقدتها في مؤتمرات حضرتها في دول إسلامية فيما يخص المسلمين أنفسهم وليس أصحاب ديانات أخرى.
أما ما دار في المؤتمر، فهذا شأن آخر، العلماء والباحثون الذين ألقوا أبحاثهم واستنتاجاتهم كانوا أحرارا فيما يقولونه، وكانت فرصة رائعة لي مثلا كي أسمع من عالم صيني حول توصيف الإسلام في الصين والتغطية التي حظي بها المسلمون الإيغوريون أثناء الاحتجاجات التي قاموا بها في إقليم شينجانغ. استمعت بشغف وصدمة كبيرة لعالمة برازيلية وهي تحلل خطاب منظمة المقاومة الإسلامية حماس، هالني وأصابني حزن شديد ما طرق أذنيّ من خطاب اعتذاري حاول فيه العلماء المسلمون التقرب من الغرب ولو على حساب إسلامهم، صعقت جدا للخطاب الأحادي الذي يقصي الآخر لا بل يجتثه من جذوره ولا يرى الخير إلا في نفسه، فرحت كثيرا لأنني قلما حضرت جلسة ولم يكن فيها ذكر للعالِم والفيلسوف العربي الكبير إدوارد سعيد، وكربت نفسي عند مشاهدتي أن العلماء الغربيين كانوا الأبرز والأكثر وقعا في المؤتمر في حين كانت فرصة سانحة للعرب والمسلمين لإيصال صوتهم.
وقد يتساءل القارئ عن دوري في المؤتمر، أنا كنت واحدا من عشرات الباحثين، أقول بتواضع إنني عملت جهدي، وتذكرت قرائي في ختام المؤتمر إن كنت قد دافعت عن الإسلام بما فيه الكفاية، عتاب النفس لا يفيد. في ظروف كهذه أتذكر الآية الكريمة من سورة البقرة «لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت». ولنمض إذاً الأسابيع القادمة، ونحن نجول معا في أروقة المؤتمر وأعدكم بنقل أمين لكل الجلسات التي حضرتها، وأختم هذه السلسلة بمقال عن دوري المتواضع وخلاصة عن البحث الذي ألقيته.

وأدامكم الله وإلى اللقاء

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي