المراقبة و الرأي العام

قبل يومين نشرت جريدة «المدينة» على صفحتها الأولى خبرا حول قرار «ديوان المراقبة العامة» تكوين فريق في الديوان برئاسة نائب الرئيس المساعد مهمته إحكام الرقابة بشكل مكثف للكشف عن أي مخالفات أو تجاوزات في ست قطاعات خدمية. تلك القطاعات، كما جاء في الخبر، هي الصحة، التعليم، البلديات، المياه، الكهرباء، والبيئة. ذلك القرار لم يكن إعلانا عن مهام جديدة للديوان، أو عن إخضاع جهات حكومية لم تكن خاضعة لرقابته من قبل، بل يبدو من توقيت نشره أنه رد غير مباشر على بعض الانتقادات والتساؤلات التي طرحت في منابر عامة في الآونة الأخيرة عن دور أجهزة الرقابة في حماية المجتمع والمال العام. إذ تعالت أصوات كثيرة تطالب بدور أكبر لتلك الأجهزة إثر ما تكشف عن كارثة الأربعاء التي نزلت بساحة محافظة جدة يوم الثامن من شهر ذي الحجة المنصرم.
وفي اليوم نفسه، أي الأحد الماضي، أعلن رئيس الديوان، بعد تقديم التقرير السنوي لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسمو ولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز «أن الديوان قد باشر مع مطلع هذا العام 1431هـ تنفيذ خطته الاستراتيجية الثانية للتحقق من حسن استخدام المال العام بأساليب اقتصادية تكفل بلوغ الأهداف المرسومة وتحقيق التنمية المتوازنة في جميع مناطق المملكة». وقد اشتمل تقرير الديوان عن السنة المالية 1428/ 1429هـ، على أهم نتائج المراجعة المالية للسجلات المحاسبية والمستندات والعقود والحسابات الختامية والميزانيات العمومية للعديد من الأجهزة الحكومية والمؤسسات، والشركات المشمولة برقابة الديوان. وكان من بين أبرز المخالفات التي تم رصدها تأخر تنفيذ العديد من المشروعات الحيوية، تعثر بعضها، تدني جودة التنفيذ وضعف تعاون عدد من الجهات مع الديوان وعدم تجاوبها.
إن أكثر ما رصده الديوان من مخالفات، مع الأسف، ليس جديدا بل تتكرر تلك المخالفات عاما بعد عام وتكاد تكون سمة ملازمة لإجراءات الصرف الحكومي وما تتطلبه من مستندات عدة قد تغفل عن استكمالها الجهة المعنية حينا وتعمد حجبها أحيانا أخرى. لكن على رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها الديوان في كشف تلك المخالفات وحجم المبالغ التي يسترجعها لصالح الخزانة العامة، أصبحت اهتمامات المواطن تنصب على قضية أخرى ألا وهي تأخر تنفيذ المشروعات وتعثر العديد منها، وهو ما أشير إليه في التقرير، ما يحرم المجتمع من خدمات هو في أمس الحاجة إليها. لذلك بات من الضروري للديوان أن يبحث عن آلية جديدة يمارس من خلالها مهامه، في إطار مسؤولياته، تلبي تطلعات المواطن إلى مراقبة لصيقة وفاعلة ترصد الخلل فور حدوثه في أي مرفق من مرافق الخدمات وعلاجه قبل أن يتفاقم كما هو الحال في كثير من المشروعات المتعثرة التي تبقى معلقة سنوات إلى أن يكتب لها من ينتشلها.
من بين آليات المراقبة والمتابعة التي يمكن طرحها في ذلك السياق، باختصار، إشراك الرأي العام بشكل منظم في الكشف عما قد يكون هناك من تقصير في تنفيذ ما هو مرصود من مشروعات لمناطقهم، أو تسيب فيما يقدم لهم من خدمات. إذ أصبحت لدينا اليوم، بفضل الله تعالى ثم بفضل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، قنوات ووسائل يمكن توظيفها للإفادة من الرأي العام لمساعدة الأجهزة الرقابية في أداء مهامها. من بين تلك القنوات وسائل الإعلام بكل أشكالها، والمجالس البلدية التي تضم أعضاء منتخبين يتواصلون مع سكان الأحياء بمختلف مشاربهم.
إننا نتطلع إلى مبادرة يقودها ديوان المراقبة العامة بالتنسيق مع وزارة الثقافة والإعلام ووزارة الشؤون البلدية والقروية لتأسيس آلية جديدة فاعلة لمتابعة مشروعات الخدمات ميدانيا مدعومة بما تحت تصرف الديوان من وثائق ومستندات قد تأخذ بأيدينا إلى آفاق جديدة في ثقافة الوظيفة العامة وتبعاتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي