مطالب باندماج البنوك لمواجهة التمويل ..وشركات عائلية «تبخرت» استثماراتها
مطالب باندماج البنوك لمواجهة التمويل ..وشركات عائلية «تبخرت» استثماراتها
أجمع خبراء اقتصاديون على أن دبي سيكون أمامها تحد كبير في المرحلة المقبلة للخروج من أزمة الائتمان التي ألمت بها، وأن المملكة لم تتأثر من جراء الأزمة إلا بشكل محدود من خلال انكشاف القطاع المصرفي بقيمة تبلغ نحو بـ 2.7 مليار ريال، مشيرين إلى أن الإمارات تحتاج إلى تفعيل الاندماجات بين بنوكها بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة لمواجهة الأزمات وتقويتها، ومطالبين أيضا باندماج البنوك السعودية لمواجهة الطلب المحلي المتزايد على التمويل.
ووفقاً للخبراء، فإن تأثير أزمة دبي لم يقف عند حد البنوك في المملكة بل أضر بشكل بالغ بعدد من الأفراد والشركات العائلية السعودية خصوصاً التي ضخت استثماراتها في دبي، خصوصاً في القطاع العقاري، لافتين إلى أن تلك الشركات حققت خلال الطفرة العقارية في سنوات مضت مكاسب عالية، إلا أن استثماراتها «تبخرت» وتقلصت مكاسبها بشكل كبير وأصيبت بـ «نكسة»، مما اضطرهم إلى تغيير توجهاتهم الاستثمارية بالنظر إلى تراجع الطلب الحاد.
وأشار الدكتور عبد الوهاب أبو داهش وسهيل الدراج الخبيران الاقتصاديان خلال المحاضرة التي خصصت لمناقشة «مدى تأثير أزمة دبي المالية على السوق السعودي والاقتصادي» ونظمتها لجنة الأوراق المالية في الغرفة التجارية في الرياض البارحة الأولى إلى أن عدداً من الشركات العقارية الإماراتية استثمرت بشكل مباشر في المملكة وأن مشاريعها ستتأثر تبعاً للأزمة، مبينين أن ذلك سيعطي الفرصة للشركات العقارية السعودية لإكمال تلك المشاريع.
وأضافا قائلين: إن الأسواق المالية الخليجية خسرت نحو 50 مليار دولار من قيمتها منذ ظهور أزمة دبي، وإن أسعار بعض الأسهم في السوق المالية السعودية قد شهدت بدورها تراجعا في أسعارها منذ ظهور الأزمة وحتى الآن خاصة في قطاع التطوير العقاري والبناء والتشييد.
وانتقد أحد الخبراء الطريقة التي تعاملت بها دبي مع الأزمة، وأنها أخطأت في التعامل مع الأزمة من حيث هيكلة الديون، ضخ الأموال، والإفصاح والشفافية من خلال الإعلام، وأن ذلك سيؤثر في القطاع البنكي في الإمارات لفترة طويلة وسيلحق الضرر أيضاً بالبنوك في الخليج من حيث التحفظ والتشدد في التمويل، وأن ذلك سيتراجع بأرباحها في 2010 وسيتسبب في قلق رجال الأعمال في المنطقة، وأضاف: «هناك مزيد من رجال الأعمال سيعلنون تعثرهم خلال الفترة المقبلة».
«نسمع جعجعة ولا نرى طحناً» هذه العبارات المقتطفة من حديث الخبراء التي وصفت ما يجري حالياً في دبي، وهي بذلك تشير إلى أن كل التطمينات التي تخرج من قبل دبي والمشاريع تحاول الإيحاء بصلابة الاقتصاد وعدم تأثره، مضيفاً:»مزيد من التعثر سيكون في 2010».
لكن الخبراء ألمحوا خلال المحاضرة التي أدارها طلعت حافظ عضو لجنة الأوراق المالية، إلى إمكانية أن توجه الأزمة الأخيرة أنظار المستثمرين إلى المملكة، خصوصاً بعد نجاحها في الخروج من الأزمة العالمية، وأزمة دبي بأقل الخسائر.
وقال الخبراء أن الأزمة المالية العالمية تسببت في الأساس وقبل أزمة دبي في تعليق مشاريع في المملكة بنسبة 8 في المائة، وبنسبة 78 في المائة في الإمارات، وإن الأزمة الأخيرة ستفاقم من جروح دبي.
ونادى المحاضرون بضرورة سن تشريعات خاصة للإفلاس، والإفصاح والشفافية، لضمان التصدي للأزمات بطريقة سليمة، مشيرين إلى أن ذلك سيسهم في إعادة ثقة المستثمرين. وأضافوا «سيكون هناك حذر بالغ في اتباع طريقة دبي سواء في التمويل أو المشاريع العقارية، أو الهيكلة التمويلية، وسيعتمد بشكل كبير على رفع الرساميل بالصكوك والسندات».
واختلف الخبراء في قضية المدة الزمنية لخروج دبي من الأزمة، حيث بدا أحدهم متفائلاً بخروجها خلال النصف الأول من العام الجاري نظراً لاعتماد اقتصادها على التنوع، فيما رد الآخر «يبدو أنك متفائل كثيراً، 2010 لن يختلف عن 2009».
وتفاعل الحضور مع ما طرح في المحاضرة، وسأل أحدهم: «أين أستثمر بعد تلك الأزمات؟»، حيث أجاب سهيل الدراج المحلل المالي والخبير في الشؤون الاقتصادية الدولية بضرورة التنويع في أسلوب الاستثمار لضمان عدم المجازفة برأس المال، مركزاً أيضاً على الاستثمار في القطاع العقاري وبالأخص السكني والذي وصفه بـ «المحفز»، فيما نصح عبد الوهاب أبو داهش المستشار الاقتصادي والمالي بالاستثمار في أسهم قطاع البتروكيماويات معتبره القطاع الواعد في المملكة خلال الفترة المقبلة.
ودارت تساؤلات حول التصور المستقبلي لقطاع العقارات، حيث أشار الخبراء إلى أن الرهن العقاري سيحفز القطاع، ويسهم في زيادة الإقبال.
وجرت خلال المحاضرة نقاشات تناولت فرص النمو في السوق المالية السعودية ومدى تأثرها بالأزمتين المالية الدولية وأزمة دبي الأخيرة والتشديد على ضرورة الاستفادة من الدروس والعبر والعمل على عدم الوقوع في المشكلة نفسها في الاقتصاد السعودي في الفترة المقبلة.
واتفق الخبيران الاقتصاديان على سلامة الاقتصاد السعودي وعدم تعرضه بدرجة كبيرة لأزمة دبي المالية الأخيرة، مشددين على أن تأثر السوق المالية السعودية كان نفسيا بالدرجة الأولى ولم يكن لأسباب اقتصادية بحتة.
وأكد الدكتور أبو داهش في ورقة عمله التي قدمها في المحاضرة أن أزمة دبي ليست طارئة حسبما يعتقده وذلك لأن هناك إرهاصات عديدة كان يجب الحذر منها سبقت ظهور الأزمة التي جاءت في أتون أزمة مالية عالمية أسهمت في تضخيم تبعاتها المالية والاقتصادية خاصة في دبي، مشيرا إلى أن اقتصاد دبي يعاني في الأساس ارتفاع حجم المديونية وأن القائمين على اقتصادها بذلوا مساعي كبيرة في التوسع حتى بات نموذج دبي لافتا لأنظار كثير من اقتصاديات المنطقة ودول العالم وأن المشكلة تكمن في كون معظم تلك الاستثمارات أجنبية خاصة في مجال التطوير العقاري المتضرر الأكبر من الأزمة الحالية وارتباطها بشكل أكبر من غيرها باقتصادات الأسواق الدولية.
وقال إنه لم يكن من المستغرب أن يحدث انهيار في القطاع المصرفي وقطاع التشييد والبناء في دبي بسبب استمرار القطاع المصرفي على الاقتراض الخارجي لتأمين القروض للشركات المحلية مقدرا نسبة انكشاف القطاع المصرفي السعودي على شركات دبي المتعثرة بنحو 2.7 مليار ريال فقط، مضيفاً: «هذا الرقم ليس رسميا ولكنه تحليل خاص».
ودعا الدكتور أبو داهش في محاضرته البنوك والمصارف المحلية إلى ضرورة الإفصاح عن حجم تعرضها وانكشافها على شركات دبي المتأثرة بالأزمة، مشددا على أن وضعية البنوك السعودية مطمئن في الوقت الحالي، وأن القطاع المصرفي المحلي قد شهد أزمات أكبر من أزمة دبي المالية ونجا منها وتجاوزها، إلا أنه رجح إمكانية تراجع أرباح البنوك السعودية بشكل ملحوظ بسبب تلك الأزمة رغم أن المصارف السعودية لديها مخصصات احترازية تقدر بنحو ستة مليارات ريال وهو ما يتجاوز بكثير انكشافها على الشركات الإماراتية إن وجدت.
ورأى عبدالوهاب أبو داهش أن تراجع القطاع العقاري في دبي قد سبق ظهور الأزمة المالية الأخيرة إذ شهد منذ العام 2008م تراجعا ملحوظا ولم تكن الأزمة إلا حلقة من ضمن حلقات التراجع في هذا القطاع. وأوضح أن هناك ترقبا لإعلان نتائج القطاع المصرفي السعودي في نهاية سنته المالية ونتائج الربع الأخير خصوصا، مع أن هناك ما يدعو للتفاؤل بشأن تحرك قطاع البتروكيماويات والصناعة والتي تبدو في حال أفضل من باقي القطاعات الأخرى في السوق المالية وذلك لارتباطها بالأسواق الدولية وقدرته على الاقتراض لتمويل توسعاته في الفترة المقبلة.
ودعا إلى ضرورة سن تشريعات تتناول حالات الإفلاس وزيادة الشفافية وضرورة إقرار نظام الرهن العقاري الذي سيتضمن حزمة من التشريعات التي ستسهم في استمرار تطور القطاع في الفترة المقبلة.
وقال ابوداهش إن إفرازات هذه الأزمة يمكن حصرها في الخوف من مستقبل التمويل، مشيرا إلى وجود ضغط على المؤشرات الائتمانية وضعف في القاعدة التمويلية، كما أكد أهمية إصدار مزيد من التشريعات والتنظيمات لحماية مستقبل الصكوك الذي وصفه بالخطر.
وأبان المستشار الاقتصادي أن الأزمة ستتسبب في تراجع أسعار العقارات بالنظر لتراجع الاستثمارات وارتفاع المعروض، مشيراً إلى أن تدخل الحكومة في التصدي للأزمة ينبغي أن يكون في شكل إصدار تشريعات، واتباع الشركات وغيرها منهج الإفصاح والشفافية.
وتابع قائلاً: «حدوث ضغوط على الحكومات للتدخل سيؤدي إلى حدوث عجز في الميزانيات لأن هذا يؤدي إلى زيادة الإنفاق».
وحول تأثير الأزمة على الأسواق المالية الخليجية قال إنها تأثرت بها وتسببت في حدوث خسارة لها في الأسبوعين الأولين للأزمة، مشيرا إلى أن الأزمة المالية العالمية قد هيأت الجو لامتصاص مثل هذه الصدمات. من جانبه، عرض سهيل الدراج في محاضرته لمحة موجزة عن اقتصاد الإمارات العربية ومساهمة إمارة دبي المعنية بالأزمة المالية الأخيرة مشيرا، إلى أن مساهمتها لاتتجاوز 32 في المائة من الاقتصاد الإماراتي كما أن دبي لاتسهم إلا بنسبة 3 في المائة فقط من الإنتاج النفطي للإمارات ولذلك عمدت إلى تنويع اقتصادها والتركيز على قطاعات السياحة والنقل والخدمات المالية والتطوير العقاري، مشيرا إلى أن الإمارات عملت فيما مضى على سن تشريعات لتنويع اقتصادها وعدم اعتماده فقط على الإنتاج النفطي.
وقال إن أزمة دبي اتضحت بصورة أكبر في القطاع العقاري بشكل خاص وعلى القطاع المالي، مبينا أن القطاع العقاري في دبي توسع بشكل كبير في الفترة الماضية من خلال الاقتراض من مصادر محلية وخارجية لتبلغ مستويات الإقراض لمشاريع القطاع العقاري مستويات قريبة من المستويات التي أسهمت في اندلاع الأزمة المالية العالمية وانهيار نظام الرهن في دول عديدة عندما وصلت إلى مستويات قريبة من 94 في المائة، وهو ما يجعل المتابع يلحظ تشابها كبيرا في أسباب نشوء أزمة دبي وهي مشابهة للأسباب التي أدت إلى نشوء الأزمة المالية الدولية على حد قوله.
ورأى الدراج في محاضرته أن ديون دبي لاتزيد على 80 مليار دولار ولذلك سيكون أثرها محدودا في الاقتصادات الدولية وأن تأثيرها على الأسواق المالية كان نفسيا فقط ولم يكن لأسباب جوهرية حسب اعتقاده.
وقال الخبير في الشؤون الاقتصادية الدولية إن تبني دبي النموذج الغربي بشكله الخطر وارتفاع معدل النمو ووصول التضخم والعقار إلى مستويات مرتفعة مثلت عوامل أسهمت في تكوين الفقاعة التي فجرتها الأزمة،. وأضاف أن حمى تنوع مصادر الدخل حمت اقتصاد دبي وستساعده على الخروج من الأزمة سريعا موضحا أن خطورة الأزمة تمكن في إحجام البنوك عن الإقراض .
ووصف الدراج أثر الأزمة في الاقتصاد السعودي بالمحدود وفي سوق الأسهم بالنفسي وقال إن قطاع البتر وكيمياويات هو الملاذ الآمن في المرحلة المقبلة. وأضاف أن المستثمرين السعوديين في دبي في مجال القطاعين العقاري والصناعي تأثروا بالأزمة، وقال إن السعودية مرشحة مع صعود أسعار النفط إلى أن تتحول إلى منطقة ثروة، مؤكدا أن المدن الاقتصادية لن تتأثر بالأزمة وأنها ستدعم الاقتصاد.
وخلص الدراج إلى أن أزمة دبي محدودة وأن أثرها عالمياً معدوم، كما أن الأثر في المملكة محدود، وأن التراجع في الأسهم كان بسبب العامل النفسي، تنويع مصادر الدخل عامل مهم لامتصاص الأزمات، التضخم شر لا بد من التعامل معه، التوازن بين النمو والتمويل، عدم الإفراط في القروض.