الخدمات المصرفية وقطاع الأعمال

نظم مجلس الغرف السعودية يوم الإثنين الموافق الرابع من كانون الثاني (يناير) لقاء مميزا جمع بين الدكتور محمد بن سليمان الجاسر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، وحشد كبير من رجال الأعمال والإعلاميين والصحافيين، بمن في ذلك المهتمون بالشأن المصرفي.
ركز محافظ «ساما» في حديثه لرجال الأعمال والإعلاميين والصحافيين على خمس قضايا رئيسة ذات علاقة بمجتمع المال والأعمال، التي تهم شريحة كبيرة من أفراد المجتمع السعودي، بالذات من الذين يتعاملون مع البنوك المحلية وهي: (1) سياسة سعر الصرف. (2) نهج «ساما» في إدارتها السياسة النقدية. (3) الاستقرار النقدي والمالي في الاقتصاد الوطني. (4) استقرار ومتانة القطاع المالي. (5) الإشراف على القطاع البنكي.
وتناول الحديث سياسة سعر صرف الريال السعودي مقابل عملة الدولار الأمريكي، أو بتحديد أكثر تثبيت قيمة الريال أمام الدولار، وأكد محافظ «ساما» أن سياسة ربط الريال السعودي بعملة الدولار الأمريكي، لا تستند إلى العواطف أو إلى الأبعاد السياسية، بقدر ما تستند إلى أمور اقتصادية استراتيجية بحتة، تعمل في نهاية المطاف في صالح الاقتصاد السعودي وفي مصلحة البيئة الاستثمارية المحلية، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، أن معظم صادرات المملكة تُقيم وتدفع بالدولار الأمريكي، كما أن نحو ثلثي واردات المملكة من دول العالم المختلفة تسعر وتدفع قيمتها بالدولار، وبالتالي فإن هناك تأثيرا إيجابيا على وضع المالية العامة للدولة من خلال المحافظة على قيمة إيرادات النفط باعتباره لا يزال المصدر الأساسي للدخل القومي وتمويل الميزانية، آخرا وليس أخيرا، فإن عملة الدولار الأمريكي تعد العملة التي تتداول وتسعر بها معظم السلع الرئيسة عالمياً، بما في ذلك النفط والغاز، كما أن الدولار يمثل ثلثي الاحتياطيات العالمية.
ورأى أن نهج «ساما» في إدارة السياسة النقدية، نهج يتسم بالاتزان والتعقل، ولكن في الوقت نفسه يمتلك للقدر الكافي للتكيف مع ظروف الاقتصاد العالمي واحتياجات ومتطلبات التنمية الاقتصادية المحلية، الأمر الذي مكن المملكة من مجابهة الدورات الاقتصادية المختلفة خلال السنوات الخمس الماضية، التي شهدت سلسلة من الأحداث الاقتصادية المتباينة، من أبرزها، تدفقات سيولة عالية، فورة اقتصادية، ضغوط تضخمية ومضاربات على سعر الصرف، وأخيراً فترة الأزمة المالية العالمية التي حلت بالعالم، وما تبعها من انكماش عالمي ما زالت آثارها ماثلة حتى اليوم.
وأما فيما يتعلق بالاستقرار النقدي والمالي، فهذا يتم من خلال المراقبة والمتابعة الحثيثة لـ «ساما» لمؤشرات الاقتصاد الكلي وتوفير السيولة الملائمة لدعم الأنشطة الاقتصادية المختلفة، بما في ذلك بذل أقصى الجهود الممكنة للمحافظة على استقرار المستوى العام للأسعار بما في ذلك سعر صرف الريال.
وشرح دور «ساما» المرتبط بالإشراف البنكي على القطاع المصرفي، باعتبار أن المؤسسة تنتهج سياسة رقابية متحفظة تعتمد على مبادئ الإشراف البنكي الفاعل، الذي يتبني تطبيق معايير محاسبية دولية، حيث أثبتت الأزمة المالية الحالية وغيرها من الأزمات السابقة فاعلية وسلامة هذا النهج، وبالذات فيما يتعلق بالحد من انكشاف البنوك السعودية على المنتجات المهيكلة، ومحافظتها على ملاءة رأسمالية جيدة مدعومة باحتياطيات نقدية كافية، حيث يبلغ متوسط كفاية رأس المال لدى البنوك 16.2 في المائة في نهاية الربع الثالث من عام 2009، في حين أن النسبة الدولية المطلوب تحقيقها من قبل لجنة (بازل) الدولية هي في حدود 8 في المائة، كما لم تتجاوز نسبة الديون المشكوك في تحصيلها إلى إجمالي الإقراض البنكي في نهاية أيلول (سبتمبر) 2009 نسبة 3 في المائة.
هذه السياسات والأدوات النقدية، التي اتبعتها «ساما» مجتمعة، بما في ذلك ممارستها الإشراف البنكي الحصيف على المصارف المحلية، مكن المصارف من أن تنمو أصولها البنكية بنسبة تفوق نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي، حيث بلغت نسبة النمو السنوي لإجمالي الأصول البنكية في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2009 نحو 6 في المائة، في حين بلغت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للعام نفسه نحو 0.15 في المائة، كما أن تلك السياسات والأدوات النقدية، مكنت المصارف المحلية من التوسع في عمليات الإقراض المصرفي الموجه للقطاع الخاص وللأفراد على حد سواء، حيث على سبيل المثال، تجاوز حجم الإقراض الممنوح للقطاع الخاص من قبل البنوك المحلية حجم ما تم صرفه من القروض التنموية، التي قدمتها صناديق التنمية المتخصصة وبرامج التمويل الحكومية، مثال صندوق التنمية العقارية، وصندوق التنمية الصناعية وغيرهما، التي بلغ إجماليها منذ إنشاء تلك الصناديق وحتى نهاية العام المالي 1430/1431 أكثر من 388.400 مليون ريال، بينما بلغ إجمالي قيمة التسهيلات البنكية المباشرة، التي منحتها البنوك التجارية للقطاع الخاص في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، 723.396 مليون ريال.
إن استمرار البنوك المحلية في منح الائتمان للقطاع الخاص، بل توسعها في ذلك، رغم الصعوبات المالية التي تعرضت لها معظم البنوك والمؤسسات المالية على مستوى العالم، نتيجة للأزمة المالية العالمية، يؤكد أن البنوك المحلية على وعي وإدراك كاف بالمسؤولية التنموية المنوطة بها تجاه الاقتصاد الوطني، كما أنها ما زالت تعد محفظة القروض من أهم وسائل تحقيق الربحية لمؤسسيها وملاكها، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال تصور إحجامها عن التمويل كما يدعى البعض وعدم رغبتها التوسع في ذلك، شريطة، بكل تأكيد، توافر الجدارة الائتمانية، والقدرة على الموازنة بين المخاطر والأرباح والتكاليف، بما في ذلك الالتزام بملاءة المقترض وقدرته على السداد وكذلك بجدوى المشروع، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي