هم أبخص.. والشفافية

عندما لا يكون الوضع مقنعاً يساق تعبير (هم أبخص) وهو حجة سلبية يراد بها الخلاص من مئونة النقد وهم الاعتراض وقلة الحيلة وبه تستريح النفس وتطمئن لحكمة المسؤول وحصافته ورعاية ذمته, ولكنها تعمق الإقصاء للرأي العام من التأثير في الشؤون العامة وتحكر تداولها بين الخاصة, مما يعوق جهود التنمية المستدامة. وهم في التعبير العامي يعني كل من لديه سلطة أو نفوذ لأحداث أو تغيير شأن عام.
كثير من الشؤون العامة تدار وتصاغ برغبات أو قرارات فردية وبناء على قناعات خاصة أو مصالح مؤقتة مما يجعلها مثيرة للتساؤل والانتقاد وهو ما يحمل بعض المسؤولين على لفها بغلاف السرية تحت ذرائع متعددة، أهمها حماية المصلحة العامة, وعندما يتبين تصرف أو نشاط مثير للجدل لجهاز حكومي أو مسؤول ولا يتسق مع الحس أو المطلوب العام, يتبارى المسؤولون ذوو العلاقة في تبرير ذلك بعبارات مبهمة تزيد من الغموض الذي يشعل فتيل الشائعات ويشغل الناس بالظن والشك وقبول الشائعة أو نفيها, هذا الوضع تمثل فيما استتبع كارثة جدة، فلو أن أعضاء المجلس البلدي ومن في حكمهم من المسؤولين في محافظة المدينة ووجهاء المجتمع وأهل الصحافة وأرباب الرأي لم يركنوا لقاعدة (هم أبخص) وطالبوا الأمانة ومصلحة المياه والمجاري بإيضاح أوضاع المدينة وما تم حيال ما يتهددها من مخاطر وما يجب أن يتم قبل أن تقع الواقعة لربما كنا في غنى عن كتابة مقال كهذا.
الشأن العام هو مسؤولية الجميع ابتداء بالمواطن الفرد الذي عليه أن يستشعر الحاجة لحسن معيشته، فيعبر عن ذلك في صورة تطلعات ومطالبات يردد صداها في محيط المسؤول أؤلئك الذين يملكون الوسيلة والحجة من الوجهاء والكتاب وأعضاء المجالس الرسمية، وعلى المسؤول، كما توحي التسمية، أن يكون مسؤولاً فيما انتدب له من شأن، فيقوم به كما يقوم بمصالحه الخاصة من جد في التنفيذ وأمانة في الرعاية وصدق في القصد ويجعل ذلك واضحاً جلياً من خلال قناة تواصل مع المجتمع تيسر المعلومات لكل من يبحث عنها فلا يخص بها من قد يكتسب بها وأن تكون تلك القناة ممكنة من الحصول على كل ما يستلزمها لعرض واقع الجهاز الحكومي بكل شفافية.
إن التزام الجهاز الحكومي بالشفافية سيجعله في قلب دائرة التأثير الاجتماعي والتأثر بما يتطلبه المجتمع وهذا التغيير في التفكير سيقلب الصورة النمطية عن إدارات للعلاقات العامة في القطاعات الحكومية، والتي تكرس الاعتقاد بكونها تغص بموظفين ذوي قدرات فذة في تبرير كل ما يثير الرأي العام، وما تبديه تلك الإدارات وتنشره لوسائل الإعلام نادراً ما يكون للترحيب باقتراح لتحسين الخدمات أو التعبير عن رغبة الجهاز الحكومي في استقراء الرأي العام حول خدماته. فإدارات العلاقات العامة هي بمثابة خط الدفاع عن أمجاد الجهاز الحكومي ووكالة إعلان لما يستجلب المديح والإطراء للمسؤول الأول في الجهاز الحكومي والتصدي للنقد الذي يوجه له بما يليق من عبارات التجهيل والتشكيك. لذا فمنهج الشفافية يستلزم قلب المفاهيم التي تحكم العلاقة بين الجهاز الحكومي والمجتمع.
إن تحلي المسؤول الأول في الجهاز الحكومي بنهج شفاف تجاه نشاطاته والتعامل مع أفراد المجتمع بمثابة عملاء منتفعين ينشد رضاهم ويجتهد في تطوير كفاءة جهازه لتحسين خدمته لهم سيكون قدوة حسنة لمن هم تحت إدارته من الموظفين، وعندما يتحقق ذلك سنضمن - إن شاء الله - وضوح مسارنا في التنمية المستدامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي