حديث خرافة.. قصة تتجدد في كل عصر

''حديث خرافة'' مثل يضرب لكل ما هو خارج عن المألوف وغير قابل للتصديق، وخرافة رجل من بني عذرة غاب فترة عن قبيلته ثم عاد فزعم أن الجن استهوته وأنه رأى منها الأعاجيب، وأخذ يقص قصصا رأى فيها الناس أنها نوع من الكذب، فأطلق على كل كلام مكذوب ''حديث خرافة'' كما ضربوا المثل بخرافة فقالوا ''أكذب من خرافة''.
والخرافة ليست خاصة بشعب دون آخر، فقد عرفتها الشعوب البدائية قديماً، كما تعرفها الشعوب المتحضرة الآن على مختلف ثقافاتها ومللها، والغريب أن الخرافة يمكن أن يؤمن بها المتعلم فيتساوى مع الجاهل، وقد ترى الاثنين يؤديان طقوساً هي إلى الخرافة أقرب، فلا تفرق بين سلوك الاثنين.
ولا تقتصر الخرافة على السحر والتنجيم والشعوذة وقراءة الطالع والأبراج وما يعتقد البعض أنه يبعث على تفاؤل أو تشاؤم، بل تمتد إلى خرافات يصنعها الإنسان ويروج لها بين العامة، ومع مرور الزمن ترسخ على أنها حقيقة.
كما أن الخرافات منها ما ينسب إلى العقائد، ومنها ما هو مرتبط بظواهر طبيعية، ومنها ما هو مرتبط بأشخاص يعطون قدرات غير طبيعية، فمن خرافات تتكرر عن نهاية العالم وتحدد تواريخ لذلك وتصنع سيناريوهات لهذه النهاية فيصدقها كثير من الناس، فإذا فات موعدها تكررت في موعد آخر فعاد الناس إلى تصديق الخرافة مرة أخرى وانتظارها، إلى خرافات تنتشر كل عام عن رؤية أنبياء أو علماء أو زعماء مضوا واعتبار ذلك من المعجزات، إلى خرافات عن كرامات وقدرات يتمتع بها البعض سواء من الأحياء أو الأموات.
والخرافة إذا سيطرت على أفراد من الدهماء أو العوام يكون تأثيرها محصوراً في الفرد نفسه، مثل من صدقوا خرافة نهاية العالم فباعوا ما يملكون ولجأوا إلى الجبال، وبعد أن اكتشفوا ما وقعوا فيه من خديعة عادوا يسعون لاسترداد ما فقدوه، أو من يؤمنون بخرافات تتعلق بما يجلب الحظ أو ما يكون نذير شؤم.
إلا أن الخطورة تكون حينما تسيطر الخرافة على من بيده القرار، ومن يمسك بزر إطلاق سلاح مدمر، فيسعى إلى استعجال حدوث خرافة يؤمن بها، فيدمر العالم وهو يعتقد أنه يستحضر المخلص.
الخرافة، سلعة يكسب منها الديني كما يكسب منها السياسي، ففيها من المكاسب المادية وتحقيق الزعامة والمكانة والتفاف الأتباع الشيء الكثير الذي يغري على إعادة صياغة الخرافة وتأكيدها في نفوس الناس بخلق مناسبات متكررة يتم إعطاؤها هالة من القداسة.
والسياسي لديه قدرة عجيبة على تعزيز الخرافة في نفوس الناس واستغلالها لتعزيز مكانته وسوق الناس خلف سياساته بعد إعطاء هذه السياسات نوعا من القداسة.
ولهذا فليس غريباً أن نرى هذا التكرار العجيب لخرافات ترافق الإنسان في حياته، بعضها يبعث مع بداية كل عام وبعضها يرتبط بمناسبات دينية وبعضها يصنع ويعزز في النفوس عبر وسائل الإعلام ليستفاد منها مادياً عبر أفلام تستغل ميل الإنسان إلى تصديق هذه الخرافات.
***

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي