أنا خائف

«أخاف أن أنتقد» .. «أخاف أفشل» .... «أخاف يستغل الموضوع ضدي» ..... «أخاف أخسر وأفلس» ... «أخاف ما نتفق»... « أخاف أخاف أخاف...»

في بداية كل مشروع جديد، وولادة فكرة جديدة، تتقافز في النفس مخاوف كثيرة. هذه المخاوف إذا لم يتم السيطرة عليها والتعامل معها بشكل عملي فإنها تتحول إلى طاقة سلبية مثبطة تتغول وتشل حركة الإنسان تماما وتكون من أكبر أسباب الفشل قبل البداية وعوامل الكبح قبل الانطلاق.

وأسأل نفسي، كيف أتعامل مع هذه المخاوف؟

تبدو لي المسألة على ثلاث خطوات:

أولا: لابد أن أفكر، هل هذه المخاوف حقيقية؟ أم أنها مجرد نسج خيال ووسواس سلبي؟ فإذا كانت المخاوف غير منطقية وغير محتملة فأفضل طريقة للتعامل معها هو تجاهلها تماما وعدم التفكير فيها، لأنها تكون أقرب إلى الوسواس منها إلى المخاوف. وهذه إذا سيطرت على الإنسان ولم يستطع مدافعتها فإنه يحتاج إلى تقييم وعلاج نفسي متخصص.
ثانيا: إذا كانت المخاوف منطقية ومحتملة ، ننتقل بعد ذلك إلى دراسة حجم هذه المخاوف ونسبة احتمالية حدوثها. فإذا كانت هذه المخاوف نادرة الحدوث جدا فإن علاجها مثل علاج المخاوف غير الحقيقية، يحتاج الإنسان إلى أن يعترف بها ويقتنع أنها ممكنة، ثم يضعها في نصابها الصحيح وحجمها النسبي، ثم يتجاوزها. ومن أفضل الأمثلة على ذلك الخوف من ركوب الطائرة.
ثالثا: إذا كان الخوف من شيء منطقي واحتمالية وقوعه عالية، فإن الأمر لا يخلو من وضعين. الوضع الأول أن تكون هذه المخاوف متعلقة بقرار مستقبلي يكون الإنسان هو المتحكم فيه أو أن يكون متعلقا بشيء خارج عن إرادته. فإذا كان في قرار أو أمر هو يتحكم فيه فإن عليه في هذه الحالة دراسة الفوائد المتوقعة والمضار المحتملة المترتبة على قراره وقياس احتمالية وأهمية كل منها. ولابد أن تتم هذه المقارنة في ظل رسالته في الحياة والتي تحدثنا عنها في مقال سابق. إذا كانت المصلحة المتوقعة من القرار في صميم رسالته في الحياة أو يساعد على تحقيقها، وكانت أكبر من المخاوف السلبية التي قد تنتج عنه، فإن عليه أن يقدم على الأمر بعد استخارة واستشارة ولا يلتفت للخوف، مدركا أن ما خافه قد يحدث فعلا ولكنه يكون كالألم الذي لابد منه في الحياة، وكالمرارة التي لابد منها عند أخذ الدواء. وأما إذا كانت المخاوف متحققة وعالية النسبة والفوائد المتوقعة من القرار أقل أهمية أو حجما، أو كانت الفوائد المتحققة ليست ضمن رسالته في الحياة بينما كان الضرر المتحقق متعلقا برسالته في الحياة فإن عليه أن يحجم عن الأمر ويتركه، ولا يعتبر ذلك من الخوف السلبي ، بل هو خوف إيجابي ومنطقي وضعه الله في هذه الحياة ليحمينا مما قد يضرنا. وأما إذا كانت المخاوف متعلقة بأمر لا بد له فيه ولا يستطيع دفعه ولا إيقافه فإن عليه أن يتحمل هذا الضرر بشجاعة ويحاول ما استطاع أن يستعد له نفسيا وماديا ليقلل من أضراره بقدر المستطاع.
والخلاصة أن هناك مخاوف وسواسية غير محتملة لابد لنا أن نتجاهلها، ومثلها المخاوف التي لايد لنا فيها ولا تحكم، وأما المخاوف الحقيقية والمحتملة والتي تحت سيطرتنا ومتعلقة بقراراتنا فهي خاضعة لتقدير المصالح والمفاسد وموازنة الفوائد والمضار، وبعضها لابد منه لأنه يحمينا من التهور والاندفاع.
وبعد، فإنه ليس ثمة مشروع كبير أو فكرة عظيمة أو إنجاز ذو قيمة يمكن أن يتحقق إذا ظل الإنسان حبيس مخاوفه المزمنة، لابد أن نتخلص في كل يوم من أحد مخاوفنا المزمنة، كما قال اميرسون تماما :»إنه لم يتعلم شيئا جديدا من لم يتخلص في كل يوم من أحد مخاوفه المزمنة».
لابد لنا أن نكسر قيود الخوف والتردد، ونتوكل على الله بعد تأن وتأمل، و نمضي قدما بنسبة مخاطرة معقولة، هي نقطة التوازن المنشودة بين الخوف الذي يؤدي إلى الشلل وبين التهور الذي يؤدي إلى الضرر. وفي الحياة، كما في التجارة تماما، يكون الكسب بقدر المخاطرة، ومن مشى بجانب الجدار ولم يأخذ أي مخاطرة فلا يمكن أن يقوم بشيء ذي شأن. وقد قال بيتر دراكار :» إذا رأيت مشروعا ناجحا فاعلم أن شخصا ما اتخذ قرارا شجاعا».
وبعد كل قرار، وعقب كل تفكير، وعند كل إقدام، نعيش صدقا وحقا التوجيه العظيم : «فإذا عزمت فتوكل على الله».

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي