كوبنهاجن ولطافة الحكومة الدنماركية! ( 2من 2)

أخطأت الحكومة الدنماركية خطأ فادحاً جعل عدداً كبيراً من الدول النامية يتخذ موقفا معادياً من كل ما طرح في كوبنهاجن، وذلك عندما قدمت مشروعا للقمة لتبنيه يقضي بالسماح للدول المتقدمة بأن تكون انبعاثات غازات الانحباس الحراري فيها ضعف الانبعاثات في الدول النامية خلال الـ 50 عاما المقبلة. كما تضمن المشروع الدنماركي فقرة تقضي بجعل موضوع الاحتباس الحراري من اختصاص البنك الدولي و ليس الأمم المتحدة. هذا يعني أن موضوع الاحتباس الحراري سيصبح في يد الدول العظمى وشركاتها، بينما تفقد الدول النامية، بما في ذلك الصين والهند، أي دور لها في الموضوع. هذا المشروع أزعج الدول النامية بشكل كبير، ولكن انزعاجها كان أكبر عندما اكتشف مسؤولو الدول النامية المشاركون في القمة أن الحكومة الدنماركية كتبت وثيقة مقترحة لتكون البيان الختامي للقمة، ولكن عرضتها على «الدول المهمة» فقط قبل القمة، ولم يرها مسؤولو الدول «الأقل أهمية». وكان الصحافيون قد استغربوا غياب المسؤول الدنماركي عن القمة أثناء الجلسة الختامية، وجعل البعض يشكون حتى في مصداقية البلد المضيف في إنجاح القمة.

دور الأمم المتحدة
قبل القمة، وضعت الأمم المتحدة أربعة أهداف لإنجاح اتفاقية كوبنهاجن، وهي:
1 ـ قيام الدول المتقدمة بتخفيض انبعاثات الاحتباس الحراري قبل عام 2020.
2 ـ مطالبة الدول النامية باتخاذ خطوات لتخفيض الانبعاثات.
3 ـ قيام الدول المتقدمة بتقديم حوافز مالية للدول النامية للوصول إلى أهدافها في تخفيض الانبعاثات.
4 ـ الاتفاق على الخطوات الرئيسة لكيفية تطبيق الأهداف الثلاثة الأولى. ورغم أن الوثيقة الموقعة في كوبنهاجن تشير إلى التزام الدول المتقدمة بتخفيض انبعاث غازات الانحباس الحراري، ورغم تعهد الدول النامية بالعمل على تخفيض الانبعاثات، ورغم تعهد الدول الغنية بمساعدة الدول الفقيرة، (الأهداف الأول والثاني والثالث)، إلا أن القمة فشلت لأن هذه الأهداف الثلاثة مرتبطة ارتباطا كليا بالهدف الرابع. فلم يتم الاتفاق على الخطوات الرئيسة للتطبيق، ولم يتم الاتفاق على كمية التخفيض، ولم يتم تحديد الفترات الزمنية التي يجب أن يتم فيها التخفيض. وتضمنت وثيقة كوبنهاجن ضماناً بأنه لا يمكن على الإطلاق التحقق من ادعاءاتها بالتخفيض. وكما ذكر سابقاً فإن اتفاقية كوبنهاجن كما هي عليه الآن لا تجبر الدول المشاركة على أي شيء، والسبب أنها لم تتم تحت غطاء الأمم المتحدة، وهذا هو الأمر الذي شجع دولا مثل الصين وغيرها على رفض أي اتفاق ما لم يضمن سيادة الدول المشاركة، وبالتالي فليس هناك أي قيمة قانونية للاتفاقية.
ولكن لو عدنا إلى الهدفين الأول والثاني، لوجدنا أن القوانين الحالية أو المستقبلية لأغلب الدول المتقدمة تفرض عليها تخفيض انبعاثات غازات الانبعاث الحراري، الأمر الذي يعني أن وجود اتفاقية دولية أو عدم وجودها لن يغير من الأمر شيئاً. أما بالنسبة للدول النامية، خاصة الصين، فإن الانبعاثات ستنخفض نسبياً على كل الحالات حتى دون اتفاقية دولية لسببين. السبب الأول هو التحسن المستمر في كفاءة استخدام الطاقة (بمعنى أن كل وحدة من الناتج المحلي تتطلب طاقة أقل من ذي قبل)، والسبب الثاني هو تنويع مصادر الطاقة والتوسع في مجالات الطاقة النووية والهوائية والشمسية.

لماذا فشلت قمة كوبنهاجن؟
يمكن إجمال السبب في «عدم مصداقية» الأطراف المشاركة في القمة وذلك وفقا للأسباب التالية:
1 ـ «عدم مصداقية» الرئيس الأمريكي أوباما لأن أي اتفاق معه لا يعني شيئا إلا إذا وافق عليه الكونجرس ومجلس الشيوخ. كما أن العداء الأمريكي للأمم المتحدة يشكك في مصداقية الولايات المتحدة في تبني أي اتفاقية بشأن الاحتباس الحراري في ظل الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي جعل البعض يعتقد أن المشروع الذي اقترحته الدنمارك بنقل موضوع الاحتباس الحراري إلى البنك الدولي بدلا من الأمم المتحدة هو في الأصل مشروع أمريكي.
2 ـ «عدم مصداقية» الوفد الصيني بسبب غياب رئيس الوزراء الصيني عن الاجتماعات المغلقة قبل نهاية القمة، ولم يكن لدى رئيس الوفد الصلاحية الكاملة لإجراء أي اتفاق، الأمر الذي أجبر الرؤساء على وقف الاجتماع عدة مرات حتى يتصل رئيس الوفد برئيسه من الغرفة المجاورة.
3 ـ «عدم مصداقية» الدول الصناعية نفسها. ففي أثناء قمة ريو ديجانيرو في عام 1992 قرر زعماء الدول الصناعية تخفيض انبعاثات غازات الانبعاث الحراري بحلول عام 2000. ولكنهم لم يقوموا بذلك. ثم أعلن المشاركون في مؤتمر كيوتو في عام 1997 تخفيض الانبعاثات، وبشكل أكثر صرامة من اتفاق ريو ديجانيرو، بحلول عام 2010، ومع ذلك لم تنخفض الانبعاثات، بل استمرت في الزيادة.
باختصار، إن نجاح أي اتفاقية عالمية بشأن الاحتباس الحراري يتطلب أن تكون مبنية على القوانين المحلية للبلاد المشاركة، حيث إن القوانين المحلية ملزمة. ولكن بما أن القوانين المحلية ملزمة، فإنه ليست هناك حاجة إلى اتفاقية دولية! وبمناسبة ذكر القوانين المحلية، هل تعلم عزيز القارئ أن كمية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في دول الخليج لكل شخص هي من الأعلى في العالم؟ هل ستقوم دول الخليج بتبني سياسات بيئية لحماية مواطنيها، أم أنها في حاجة إلى اتفاقات دولية لإجبارها على ذلك؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي