سلمان بن عبد العزيز .. المفكر النظمي

عندما يفكر المسؤول بصيغة تلائم نظرية النظمSystem Theory فهو بحاجة إلى أداة صادقة وفاعلة تمكنه من معرفة الأثر الذي تحدثه نشاطاته وإنجازاته في صورة تغذية راجعة Feedback بناء عليها يعدِّل ويحسن من تلك النشاطات حتى تطابق الهدف المرسوم, وعندما يكون ميدان نشاط المسؤول واسعا ومتعددا والمستفيدون من إنجازاته مجتمعاً واسعاً يكون إيجاد تلك الأداة بالصورة المناسبة صعباً ويلزم المسؤول جهداً جهيداً لتكوينها والاعتماد عليها.تشرفت وزملائي كتاب الرأي في جريدة ''الاقتصادية'' وهم أعضاء نادي ''الاقتصادية'' الصحفي بزيارة الأمير سلمان بن عبد العزيز في مكتبه بإمارة منطقة الرياض والسلام عليه وتهنئته بعودته الميمونة, وكانت فرصة للحديث والاستماع لسموه الذي عرف عنه اهتمامه بالصحافة ورعاية الكتاب, وتلك الفرصة كانت مواتية ليبين سموه ما يختلج في ذهنه تجاه الصحافة, حيث أبدى أن الكتابة الصحافية لها من المحاسن وعليها من المثالب, ويكون ذلك في تروي وحصافة الكاتب, فهو إما أن ينساق وراء خبر أو معلومة غير دقيقة يبني عليها فهما خاطئا وتبعاً لذلك يبدي في مقاله رأيا غير سوي يجترئ به ضرراً بالغاً, أو أن يتحقق ويبحث ويمحص فيكون فهما عميقا عليه يعتمد في كتابة رأي سديد نافع, وفي الجانب الآخر تحدث سموه ببصيرة المسؤول النافذة, فيرى أن المسؤول الواعي مطالب بالاطلاع على ما يكتب حسنا كان أو سيئا وهو بذلك يستفيد في كلتا الحالتين، ففي الأولى تتفتق له فرص التحسين في أدائه وأداء إدارته من خلال ما يطلع عليه من فكر ونقد هادف وآراء سديدة توفره الصحافة وفي الثانية تتهيأ له المناسبة لإظهار جهوده وإنجازاته والتي ربما لا يليق أن يتحدث عنها دون مثير, لذا يرى سموه أن الكتابة الصحافية على ما يكتنفها من زلل لبعض الكتاب هي أداة مهمة للمسؤول. من تعامل معها بفاعلية كانت له عوناً وسنداً في تحقيق تطلعاته.
في حديث سمو الأمير سلمان دليل على ما يولي كتاب الرأي في الصحافة السعودية من اهتمام يرقى لدرجة الرعاية, فكثيرا ما كان سموه نجدتهم عندما تعثرهم الكبوات وكثيرا ما كان شفيعهم عندما تلم بهم الهفوات, ففي حديثه يستذكر يوم كانت الصحافة السعودية تستكتب كتابا من خارج المملكة لقلة الكتاب المواطنين واليوم بات لدينا كتاب يكتبون للعالم, هذا الاهتمام والتقدير للكتابة الصحافية هو ما أثراها كماً ونوعاً, فكتاب الرأي المنتظمون في الصحف السعودية يزيد عددهم اليوم على 500 كاتب وضعفهم من الكتاب غير المنتظمين, وهؤلاء الكتاب يسطرون كل يوم آلاف العبارات التي تجود بها عقولهم, في مساحة من الحرية المسؤولة تجعلهم يحللون ويقترحون وينتقدون وهم بذلك يستندون إلى حماية حقهم الوطني بتشكيل رأي عام يمثل منهلاً لما يحتاج إليه المسؤول من تغذية راجعة feedback بها يتحقق من بلوغ أهدافه.
سمو الأمير سلمان مثال للمسؤول النظمي الذي يحدد أهدافا واضحة لأعماله التنفيذية ويقيس باستمرار مدى جودة تحققها وتبعاً لذلك يعدل في مدخلات العملية التنفيذية حتى يتحقق الهدف المنشود, فزخم التجربة الطويلة في تحمل المسؤولية وممارسة السياسة والإدارة والحكم أثمر فكرا تنور ذاتياً بما ابتناه من حصافة وروية ودهاء حتى بات لديه مخزون هائل من الإنجاز العملي قل مثيله, له ولمن يتّبع أثره من المسؤولين الشكر والتقدير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي