ورطة التفكير التآمري

يعاني العالم العربي والإسلامي من تخلف مخجل لم يستطع أحد شرح أساببه نظراً لتداخل حلقات وطبقات مسبباته.. فالبعض أرجعها إلى التدخل الأجنبي وخاصة الغربي متناسياً أن اتصالنا مع الغرب بدأ منذ نحو قرنين أو أقل، ولكن التخلف سيطر علينا منذ سقوط بغداد على يد المغول. وبعض آخر نسب هذا التخلف إلى التسلط والدكتاتورية، ولكن كوريا الجنوبية وسنغافورة والصين لم تكن ديمقراطية لتحقق نهضتها المادية والاقتصادية. والبعض الآخر ينسبها إلى تجذر الاتكالية بسبب الاقتصاد الريعي ولكن باكستان والمغرب وسورية وغيرها لم تحقق نجاحات تذكر في سلم التنمية دون نفط أو غاز. الواضح هو غياب النزعة التنموية الصادقة. وحيث إن الإنسان بطبعه يسعى للتسبيب والمراجعة والبحث عن المرجعية أيا كانت، لذلك لا بد له من ملء الفراغ. ليس هناك وسيلة أكثر راحة لملء هذا الفراغ المادي والروحي من التفكير التآمري.
تغلغلت المؤامرة في تفكيرنا وأصبحت لها سلطة كبيرة علينا فكرياً وثقافياً ونفسياً. المؤامرة تبسط التفكير وهي أسرع الطرق للوصول إلى الحل النهائي، وبمجرد ذكرها تستطيع أن تقطع أي تسلسل فكري وتحليل منطقي ومنهج علمي. وإذا ليس هناك حاجة إلى تفكير أو جهد وتحليل حيث إن صاحب الفكر التآمري قادر على الوصول إلى الحقيقة بسرعة البرق.
بمجرد القدرة على إسكات من يفكر ويحلل تبدأ بصنع ثقافة. ثقافة تجعل من المؤامرة ركيزة فكرية وحلا أخيرا. ثقافة ترفع قيمة المؤامرة بل تصبح المؤامرة ذات قيمة مركزية في منظومة الفكر. للثقافة دور ضاغط على كل من يحاول أن يطل برأسه ويرفع صوته ويطرح أسلوباً مختلفاً. هذه السيطرة الثقافية تبدأ بالتأثير النفسي على النسيج الاجتماعي وتجعل من الصوت النابه شبه نشاز.
التفكير التآمري يخدر الإنسان ويسلبه عقله، لذلك فمن السلم والراحة النفسية أن تلحق بالركب وتؤمن بالمؤامرة. وهنا تتحقق السيطرة الكاملة للفكر التآمري على جميع المستويات. ولا يقف التأثير هنا، بل أخطر من ذلك، فهو يجعلنا نبحث عن الحل في الأماكن الخطأ.
استطاع التفكير التآمري أن يوجه البوصلة إلى المكان الخطأ، فهناك من يحاول أن يدمرنا اقتصادياً أو يقسمنا أو يحاربنا أو يحافظ على تخلفنا .. وهكذا من الأساطير، فنحن نبحث عن العدو ونحن العدو. فبدلاً من تفعيل العقل والتنظيم الاجتماعي يبدأ التفكير التآمري بلعب لعبته. لا يستطيع الإنسان التروي في بيئته إذا كان أكثر من نصف قدراته الذهنية منصبا على قناعات مبسطة وسطحية. الأجدر به أن يطلق عنان فكره وخياله إلى عالم أكثر رحابة وتعقيداً.
سيطرة العلم والأمل والنزعة الإنسانية العامة في البناء والإصلاح سوف تأخذ مكان التفكير التآمري مرة أخرى، ولكن هذا لن يحدث قبل أن نسمح بالنقاش المنطقي الهادئ وسماع بعض بعيدا عن التشنج والعناد وخلط الأمور المادية مع الإيجابية والتاريخية مع المستقبلية. هذه الخطوة الأولى في البناء الصحي للمجتمع ولكن الخطوة الأهم هي تأسيس وتأصيل النزعة التنموية – تحديد الهدف وإبعاد من يعوق الوصول إليه.
انخراط الجميع في سلم التنمية يقطع الطريق على من يسعى لتبسيط الأمور من خلال الاستسلام لفكرة المؤامرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي