تأهيل محتاجي الإسكان ليبنوا أنفسهم ومستقبلا للوطن
قيل قديما: لا تعط الفقير كل يوم سمكة، بل علمه كيف يصطاد! وأقول لا تعط الفقير سكنا بل علمه كيف يبني مسكنه! لأننا لو وفرنا له السكن فإننا لم نحل مشكلته, فهو يحتاج إلى دفع تكاليف الخدمات والصيانة وإعاشة عائلته. مشكلة الإسكان حلها ليس فقط في توفير السكن, بل في نقل الفقير من حالة الفقر. والحل في إشراكه في عملية البناء وتعليمه حرفة يستفيد منها بعد ذلك ليعيش ويكفل عائلته. البناء جزء من تكلفة السكان مثل توفير الأرض ورأس المال, ومن ثم العمالة.
المفروض أن تكون لدينا قائمة بعدد المحتاجين إلى الإسكان وأعمار كل فرد في العائلة ومستواه التعليمي ودخله. ثم يتم تصنيف تلك العائلات إلى مجموعات حسب الحجم. وبذلك نعرف عدد وحجم كل وحدة سنحتاج إليها. كي لا نبني وحدات بمساحة أكبر مما تحتاج إليه كل أسرة. ومنها نعرف حاجتنا الفعلية كل عام. وأن يتم من تلك المعلومات معرفة من يمكن إشراكهم في البناء ليقوموا ببناء مساكنهم بعد عمل تدريب خاص ومركز لهم من قبل المؤسسة العامة للتدريب المهني. في مجال النجارة والحديد والسباكة وتمديدات الكهرباء واللياسة والدهان وبناء البلك والبلاط. ولا ننسى أن النساء يمكنهن المشاركة في بعض الأنشطة التي تتماشى مع طبيعتهن مثل أعمال الدهانات. وإعطاؤهم شهادات مشروطة بقيامهم بتطبيق ما درسوه في بناء مساكنهم. ومن ثم يتم إعطاؤهم قروضا لفتح مؤسسات مهنية حسب تخصصهم الذي تدربوا عليه. وبذلك نحل مشكلتهم, وفي الوقت نفسه نكسب عمالة وطنية مؤهلة, فنحن في حاجة ماسة إليها.
لقد أصبحنا ورشة عمل ومركز تدريب للعمالة الأجنبية غير المؤهلة ومعظمها تأتي دون شهادات أو مؤهلات لتعمل وتجرب فينا وعندما تنضج وتصبح ماهرة نجدها تعود إلى بلادها أو الدول الأخرى وقد حصلت على التدريب الجيد الذي يؤهلها للعمل هناك. عمالة تجول في مدننا وشوارعها من كهربائي إلى سباك إلى نجار وتدخل بيوتنا ودون أي تأهيل أو شهادة تثبت أن لديها الخبرة المطلوبة. وهي عمالة كان الأولى أن تقوم وزارة العمل بالتنسيق مع المؤسسة العامة للتدريب المهني بتنظيمها والتأكد من تأهيلها. وترخيصها وفق شهادات أو بطاقات لمستويات الأداء. وألا تقوم بأي أعمال لدينا إلا بعد ثبات تأهيلها وإبرازها رخصة مصدقة من الجهات الرسمية لمزاولة العمل في مدننا.
الإسكان موضوع كبير ومتشعب ويضم تحته مجموعة من الجهات الخدمية والعدلية والتنظيمية والمالية والاجتماعية. لكن الأهم أن تكون الحلول موجهة إلى توعية وتدريب مواطنينا على المشاركة في عملية البناء وخلق فرص لهم للعمل بدلا مما نقوم به الآن من حل لمشكلات البطالة في الدول الأخرى. ولتصبح الفائدة مضاعفة من حلول مشكلات الإسكان فيستفيد منها المحتاج إلى السكن في الوقت الذي تدور فيه أموالنا بيننا. وهو دور كبير ومسؤولية كل مواطن للإسهام في التوعية بأهمية العمل, وأنه ليس عيبا, بل مفخرة. وبالطبع يبرز هنا دور الجهات المسؤولة عن التشجيع على التدريب والتعليم، المدارس والجامعات ومؤسسات التدريب المهني، لهذه المهن لنصل إلى الوقت الذي نكون فيه قادرين على البناء بأيدينا ومن زنودنا.
فعندما نرى بعض الدول تتحمس لحل مشكلات الإسكان فإن اهتمامها به له وجه آخر ومهم, وهو أن الإسكان يعد موظفا أساسيا وصانعا لفرص العمل لمواطني تلك الدول. وأموالهم تدور بينهم. فرص العمل في مجال الإسكان كبيرة جدا وهي من أكبر القطاعات دوليا. ويكفينا مثال الصين وكوريا الجنوبية اللتين تصدران عمالة البناء للعالم. وهناك فرص كثيرة سواء في مجال الأبحاث أو العمل في التشييد والبناء والحفر والسباكة والنجارة والصيانة والتسويق والإدارة وغيرها من فرص العمل أو المهن الشريفة التي يجب أن نفتخر بمن يقوم بها. كما أن عملية البناء تتطلب مصانع ومعارض ومستودعات لمواد البناء والتشييد المتعددة. وأمثالها في قطاعي المقاولات والهندسة. وعندما تدعم الدول الأخرى موضوع الإسكان فإنها لا تحل مشكلة الإسكان فحسب وإنما يستفيد مواطنوها واقتصادها بطريقة مزدوجة أو مضاعفة لتدور الأموال في البلد نفسه. فهم يحصلون على السكن ويضمنون وظائف في قطاعات المقاولات والهندسة والتأثيث وتجارة مواد البناء وغيرها. وبذلك يستفيد منها الاقتصاد الوطني. المواطن سيدور هذه الأرباح لشراء متطلبات أخرى له ولأفراد عائلته سواء من الضروريات أو الكماليات. والتدوير للقطاعات الاقتصادية الأخرى وبذلك يحرك الاقتصاد الوطني. وبذلك تدور الأموال في وسط البلد, أو بمعنى آخر يكون لها دورتها الاقتصادية الكاملة لمنفعة الاقتصاد الوطني.
بينما نحن في المملكة ربما لا نستفيد من ذلك, فنحن لم نستعد ولم ننم أو نشجع على تنمية مهنة المقاولات والعقارات وتدريب وتأهيل العاملين في قطاع الإسكان سواء كعملة مدربة أو شركات مقاولات أو الشركات المهنية الأخرى التي تدخل في قطاع الإسكان بحيث تدور أموالنا بيننا بدلا من أن تتسرب إلى خارج الوطن . لقد أصبح بعض الدول حولنا تعيش عمالتها علينا. وكان قرار حل مشكلة الإسكان لدينا بشرى خير لهم.
وتشير التقارير الدولية إلى أن تنفيذ ألف وحدة سكنية متوسطة يوفر 2500 فرصة عمل, إضافة إلى ما توفره من فرص عمل لمؤسسات السمسرة والتأمين على الصكوك والمباني والمصارف والبنوك ودور التمويل. إضافة إلى المؤسسات والمهن والمقاولين الذين يستفيدون من الاستثمار العقاري بطريقة غير مباشرة مثل شركات التأثيث والأجهزة والأدوات الكهربائية والإلكترونية ونقل الأثاث والتنظيف ومنسقي الحدائق. ومعروف أن الاستثمار في الإسكان هو محرك للاقتصاد في جميع دول العالم الحديث. ويمثل عادة ما بين 10 و20 في المائة من الناتج الوطني. كما أنه يزيد فرص العمل للمواطنين. وتم إجراء دراسة في إحدى الولايات الأمريكية ووجد أن فيها نحو ثلاثة آلاف شركة عقارية عام 2006, ومعظمها تشارك في موضوع الإسكان, وأن تلك الشركات وفرت 105 آلاف فرصة عمل أو ما يقارب 4 في المائة من مجموع العمالة في الولاية. ودفعت تلك الشركات أكثر من سبعة مليارات ريال كمرتبات للعمال وأضافت 13 في المائة إلى الناتج المحلي.
وبعكس سوق الأسهم فإن دراسة لمركز دراسات الإسكان في جامعة هارفارد تشير إلى أنه مقابل كل ألف دولار ربحا للفرد في الاستثمار في الإسكان فإنه يصرف 150 دولارا ليدورها في قطاعات أخرى بينما الربح نفسه في سوق الأسهم يدور فقط 40 دولارا . كما أن تنفيذ المشاريع السكنية يحتاج إلى رساميل كبيرة لذلك فهو محرك ومؤشر رئيس لسعر الفائدة في البنوك, إضافة إلى دعمه جميع القطاعات الأخرى.
إن الاستثمار في الإسكان, وهو جزء كبير من القطاع العقاري, له أهميته كمحرك للاقتصاد المحلي عالميا . فهو يلعب دورا كبيرا في حماية الاقتصاد من الهبوط المفاجئ. ويعمل كوسادة يتكئ عليها الاقتصاد في الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد. كما أنه قطاع يقود اقتصاد الدول في حالات الركود الاقتصادي لأنه يأخذ وقتا أطول في الهبوط والارتفاع من سوق الأسهم.
فعسانا نشرك الأصحاء والقادرين على البناء والعمل من الفقراء والمحتاجين في حل مشكلات الإسكان في الوقت الذي نخدم فيه اقتصادنا بتخريج دفعات مؤهلة لبناء الوطن.