تأملات في ميزانية السعودية لعام 2010
تتميز ميزانية المملك العربية السعودية لعام 2010 بكثير من الشفافية, الأمر الذي يتناسب ومتطلبات الأطراف ذات العلاقة, خصوصا القطاع الخاص المحلي والمستثمرين الدوليين والمؤسسات الائتمانية الدولية. وفرضت مسألة الشفافية بالنسبة إلى اقتصادات دول مجلس التعاون نفسها على الساحة الدولية في الآونة الأخيرة أكثر من أي وقت مضى, وذلك في ضوء أزمة مديونية دبي.
أكبر ميزانية
الأمر المؤكد تعد ميزانية عام 2010 الأكبر في تاريخ المملك العربية السعودية, ما يؤكد نية السلطات لتحقيق نمو اقتصادي يتناسب وحجم التحديات المرتبطة بمسألة الأزمة المالية. تبلغ قيمة النفقات العامة 144 مليار دولار مقابل إيرادات قدرها 125 مليار دولار, ما يعني وجود عجز بمستوى 19 مليار دولار. حقيقة القول، يعد العجز المتوقع أمرا مهما لأنه يشكل نحو 5 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية. بل يتناقض مستوى العجز المتوقع مع التزامات السعودية بأحد شروط الاتحاد النقدي الخليجي الذي قررت القمة رقم 30 في الكويت تدشينه في 2010. يتضمن مشروع الاتحاد النقدي مجموعة من المعايير تشمل تقييد عجز الموازنة العامة بنسبة 3 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي.
لكن كما هو الحال مع السنة المالية 2009، لا يمكن استبعاد فرضية حصول تغييرات في الإحصاءات النهائية للسنة المالية 2010 في حال ارتفاع أسعار النفط وعليه إفساح المجال أمام زيادة المصروفات أو تحجيم العجز المتوقع. فيما يخص السنة المالية 2009، قدرت الحكومة النفقات العامة بنحو 126 مليار دولار مقابل إيرادات قدرها 109 مليارات دولار, ما يعني توقع عجز بحجم 17 مليار دولار.
وحديثا أشارت تقديرات رسمية إلى توقع ارتفاع المصروفات والإيرادات إلى نحو 147 مليار دولار و135 مليار دولار, ما يعني تقليص العجز إلى 12 مليار دولار. يعد العجز الأول من نوعه منذ عام 2002 ومرده التراجع النسبي لأسعار النفط في 2009, وذلك على خلفية تداعيات الأزمة المالية العالمية. فقد تدنى متوسط سعر النفط من 147 دولار للبرميل في منتصف عام 2008 إلى أقل من 40 دولار للبرميل في بداية عام 2009.
التركيز على التنمية
وفي كل الأحوال، لا بد من الإشادة بقرار الحكومة بزيادة مصروفات السنة المالية 2010 بأكثر من 14 في المائة على تلك المقدرة لعام 2009. والأهم من ذلك، قررت الجهات الرسمية تخصيص 60 مليار دولار للمصروفات التنموية بزيادة عشرة مليارات دولار مقارنة بمخصصات 2009 ما يشكل نحو 49 في المائة من حجم المصروفات, وهي نسبة مميزة بكل المقاييس.
وكما هو الحال مع السنة المالية 2009، خصصت الجهات الرسمية نحو 25 في المائة و11 في المائة من النفقات للتعليم والحصة على التوالي. ومن شأن هذه الخطوات تحسين ترتيب السعودية على مؤشر التنمية البشرية التي تعد الأقل بين دول مجلس التعاون الخليجي الست. وكانت السعودية قد نالت المرتبة رقم 59 على مؤشر التنمية البشرية لعام 2009 والصادر من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من بين 182 بلدا مشمولا في التقرير. يعتمد مؤشر التنمية البشرية على ثلاثة متغيرات وهي العمر المتوقع عند الولادة ونسبة المتعلمين ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
تعزيز مكانة الاقتصاد السعودي
من جملة الأمور الإيجابية، يتوقع أن تسهم زيادة النفقات العامة في تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في جعل الاقتصاد السعودي من بين أفضل عشرة اقتصادات جذبا أو تنافسية في العالم. فحسب تقرير التنافسية الاقتصادية لعام 2009 الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، تحتل السعودية المرتبة رقم 28 دوليا على قائمة أكثر الاقتصادات تنافسية في العالم.
يستند تقرير التنافسية إلى 12 متغيرا تشمل البنية التحتية، الاستقرار الاقتصاد الكلي، الصحة، التعليم والتدريب والابتكار. ومن شأن زيادة النفقات المساهمة تحسين أداء الاقتصاد السعودي بالنسبة إلى بعض المتغيرات من قبيل الصحة والتعليم, الأمر الذي يسهم في تعزيز الوضع التنافسي للاقتصاد السعودي.
إضافة إلى ذلك، يتوقع أن تسهم المصروفات في تأييد مكانة الاقتصاد السعودي بالنسبة إلى المستثمرين الأجانب. حقيقة القول، تتربع السعودية على عرش الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة في منطقة غرب آسيا برمتها, وذلك استنادا إلى تقرير الاستثمار العالمي لعام 2009, الذي أصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو (الأونكتاد). فقد فاقت قيمة الاستثمارات 38 مليار دولار في 2008, ما يعني 42 في المائة من حجم الاستثمارات الأجنبية الواردة لمنطقة غرب آسيا التي تشمل الإمارات وتركيا. تسهم الاستثمارات المحلية والأجنبية في حل بعض التحديات الاقتصادية الجوهرية مثل إيجاد فرص العمل للمواطنين.
تعد الميزانية العامة مسألة حساسة في السعودية لأنها تشكل نحو ثلث الناتج المحلي بالأسعار الجارية, ما يعني أن قرار زيادة أو تقليص النفقات العامة يترك تأثيرا مباشرا في المؤشرات الاقتصادية. باختصار، نرى صواب تعزيز مصروفات القطاع العام في ضوء استمرار تداعيات الأزمة المالية وبالتالي تحقيق عدة أمور منها تحفيز مستثمري القطاع الخاص لاتخاذ خطوات مماثلة للتوجهات الاستثمارية الرسمية.