متى تكون السياسة الاقتصادية غير فاعلة؟

قرأت حديثا عن محاولات الرئيس الإيراني، تمرير برنامج اقتصادي طموح من خلال البرلمان. هناك ناحيتان لفتتا نظري في هذا البرنامج، الأولى، أنه أتى كاسترجاع لما حاول الرئيس نجاد الدعاية والتطبيل له في فترة رئاسته السابقة، التي أتت بوعود شعبية في غالبها دعم وتعويض لمن فاتته حصته المفترضة في النفط والغاز، والخاصة الثانية التي هي الوجه الآخر للأولى هي رغبته في اعتناق سياسة السوق ورفع الدعم تدريجيا وتعريض الاقتصاد الإيراني لقوى السوق والمنافسة بغرض إصلاحه وتقويمه. أتت هذه المحاولات بعد محاولات شبه اشتراكية، حيث سيطر قطاع الحكومة على أغلب الأذرعة الاقتصادية ولم تكن النتيجة لا تطوير الاقتصاد الإيراني ولا العدالة الاجتماعية، ولذلك أتت المراجعة والنقض اعترافا بالسياسات الماضية الفاشلة.سيقفز الكثير إلى القول إن سبب الفشل هو الحرب أو حجم السكان مقارنة بالثروة الطبيعية أو الاهتمام الإيراني بالسياسة على حساب التنمية الاقتصادية، ولكن أرى أن هذه عوامل جانبية، والأحرى أن العامل الأساسي في فشل السياسة الاقتصادية الإيرانية ينبع من عدم أخذها بسياسة السوق بغرض التصدير: تأهيل الفعاليات المؤسساتية والفردية لإتقان الصناعة والخدمات. إيران مثال صارخ على فشل سياسات الدعم والتعويض وما يجر للفساد ولكن تجربة إيران لا تختلف عن تجارب كثير من دول المنطقة.يغلب على السياسات غير الفاعلة عدة نواح واضحة، منها تقديم الدعم للمواطن إلى حد سلبه القدرة على القرار الاقتصادي – انشغاله السلبي بانتظار حصتهم من الحكومة. فالدعم المتواصل الذي لا يفرق بين مواطن ومقيم وما يصاحب ذلك من فتح باب الاستقدام هو بمثابة توجيه أكثر من نصف الدعم إلى من لا يحتاج إليه (إعطاء دعم لم يحتج إليه يعمل كضريبة على المحتاج ليستفيد من لا يحتاج) أو إلى أيد عاملة أجنبية في جزء مؤثر منها تنافس المواطن في فرصته للعيش الكريم. الناحية الأخرى في السياسة غير الفاعلة أنها تستسلم لما هو معتاد: فهي تقاوم التغيير، ولعل أبسط مثال على ذلك إشكالية الإسكان في المملكة. لم يكن الإسكان مشكلة حينما كانت أسعار الأراضي (معقولة) قياسا بدخل الناس أو السرعة في الحصول على قرض أو حتى الحصول على أرضٍ من حكومة، ولكن هذه العوامل تغيرت تدريجيا إلى أن أصبح الحصول على سكن صعبا جدا للكثير ولكن السياسة الاقتصادية أتت تدريجية وتعويضية، في محاولة يائسة لاستخدام الأدوات القديمة لمشكلة تختلف كماً وكيفاً ولذلك لم تأخذ بقرار عميق ومؤثر لخدمة القطاع ولن يتم ذلك دون رسم خدمة على الأراضي. ناحية أخرى تكمن حينما لا نطلب من الأفراد أو المؤسسات التفاعل والتكيف سريعا مع استحقاقات مسؤولياتهم ولا نتردد في تغيير الأفراد والتشكيل الإداري حينما لا تتحقق الأهداف.
محدودية فعالية السياسة الاقتصادية وخاصة في ذلك الخلط المتواصل بين إدارة المالية الحكومية والنهج الاقتصادي الذي يحاكي تصرف الناس والشركات. هذا الخلط يعمل على إيجاد حالة من الارتباك لدى الكثير في جميع المستويات الاقتصادية.
استطاع الرئيس الإيراني أخيرا معرفة الطريق السليم اقتصاديا على الأقل، فهل يفكر الآخرون بالطريقة نفسها؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي