الميزانية الجديدة .. ميزانية توسعية رغم العجز

رغم العجز المالي الذي أظهرته أرقام الميزانية العامة الجديدة للدولة للعام المالي 1431/1432هـ (2010)، والذي يقدر بمبلغ 70 مليار ريال، وهو يمثل الفرق بين حجم الإيرادات المتوقعة بمبلغ 470 مليار ريال، والمصروفات المتوقعة بمبلغ 540 مليار ريال، إلا أن الحكومة السعودية لا تزال تتبع سياسية إنفاق توسعية، بهدف تعزيز مسيرة التنمية الاقتصادية، التي تعيشها المملكة العربية السعودية، وللتأكيد على استمرارية جاذبية البيئة الاستثمارية بشكل عام وتعزيز المحفزات الاقتصادية الأخرى، التي من شأنها أن تعمل على الدفع بعجلة الاقتصاد والتنمية في المملكة.
الشواهد على سياسة الإنفاق التوسعية في الميزانية الجديد كثيرة ومتعددة، لعل من بين أبرزها وأهمها، زيادة تركيز الإنفاق على القطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة، التي لها علاقة ومساس مباشر بحياة المواطن، كالتعليم، والصحة، والخدمات الاجتماعية، وخدمات المياه والبلديات والصرف الصحي والطرق.
هذه السياسية التوسعية في الإنفاق، يتوقع لها أن تأتي بعديد من المنافع والفوائد على الاقتصاد السعودي والتنمية، والتي تأتي في مقدمتها وعلى رأسها استحداث وخلق وظائف جديدة للشباب والشابات، للتغلب على مشكلة انتشار ظاهرة البطالة بين الجنسين، التي تقدر بنحو 10 في المائة.
إن استمرار سياسية الإنفاق التوسعية على المشاريع، وبالذات على مشاريع البنية التحتية، ما هي في الواقع سوى امتداد لسياسية الإنفاق التوسعية، التي انتهجتها الحكومة السعودية منذ بداية تداعيات الأزمة المالية العالمية، عندما اعتمدت الحكومة إنفاق 400 مليار دولار أمريكي على مشاريع تنموية مختلفة خلال خمس سنوات. وتأكيداً لهذا التوجه، تضمنت الميزانية الجديدة تنفيذا لمشاريع ومراحل إضافية لبعض المشاريع التي سبق اعتمادها تزيد تكاليفها الإجمالية على 260 مليار ريال مقارنة بتكاليف بلغت 225 مليار في العام المالي الماضي 1430/1431هـ، أي بزيادة تقدر نسبتها بنحو 16 في المائة، والتي تعد الأعلى تاريخياً، حيث تمثل هذه النسبة نحو ثلاثة أضعاف ما اعتمد في العام المالي 1425/1426هـ الذي يمثل السنة الأولي من خطة التنمية الثامنة.
إن اللافت للنظر بالنسبة للسياسة التوسعية في الإنفاق على المشاريع التنموية الجديدة، التي تنتهجها الحكومة السعودية، أنها قد شملت وكما أسلفت جميع القطاعات والأنشطة الاقتصادية دون تميز أو استثناء، كما أنها قد شملت جميع مناطق المملكة بشكل عادل ومتوازن، تمشياً مع الالتزام بتحقيق مبدأ التنمية المستدامة الشاملة في المملكة العربية السعودية، ورغبة من الحكومة في تعزيز التنمية في جميع مدن ومناطق المملكة بشكل يحقق العدالة الاجتماعية والازدهار المتساوي والمتكافئ بين المدن.
الإنفاق على مشاريع التنمية ركز كعادات الميزانيات السابقة على قطاع التعليم، والصحة، والبينة التحتية (شبكات الطرق، والصرف الصحي والاتصالات)، الأمر الذي يؤكده تخصيص مبلغ 137,600 ألف مليون ريال للإنفاق على قطاع التعليم العام والتعليم العالي وتدريب القوى العاملة، وهو ما يمثل أكثر من 25 في المائة من حجم إجمالي قيمة النفقات المعتمدة للعام المالي الجديد، وزيادة تمثل نحو 13 في المائة عن ما تم تخصيصه في ميزانية العام المالي الماضي 1430/1431هـ، كما سيستمر برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث الخارجي، الذي تجاوز عدد الملتحقين به منذ انطلاقته أكثر من 80 ألف طالب وطالبة.
الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية هي الأخرى حظيت بنصيب وافر من الإنفاق في الميزانية الجديدة، حيث قد بلغ ما خصص لهذه الخدمات، مبلغ 61,200 ألف مليون ريال، بزيادة بلغت نسبتها 17 في المائة عما تم تخصيصه في ميزانية العام المالي الماضي 1430/1431هـ.
صناديق التنمية المتخصصة وبرامج التمويل الحكومية، حظيت أيضاً بإنفاق توسعي كبير، حيث قد بلغ ما تم صرفه من القروض التي تقدم من قبل صندوق التنمية العقارية، وصندوق التنمية الصناعية، والبنك السعودي للتسليف والادخار، والبنك الزراعي، وصندوق الاستثمارات العامة وبرامج الإقراض الحكومي منذ إنشائها وحتى نهاية العام المالي الماضي 1430/1431هـ أكثر من 388.400 ألف مليون ريال، ويتوقع أن يصرف للمستفيدين من هذه القروض خلال العام المالي الحالي 1431/1432هـ أكثر من 48.300 ألف مليون ريال.
خلاصة القول، إنه على الرغم من العجز المالي الذي تظهره الميزانية الجديدة للعام المالي الحالي 1431/1432هـ، والذي يقدر بنحو 70 ألف مليون ريال، إلا أن الحكومة السعودية لا تزال ماضية في انتهاج سياسة إنفاق توسعية للإنفاق على مشاريع التنمية المختلفة رغم تبعات وتداعيات الأزمة المالية العالمية، التي عصفت بعدد كبير من اقتصادات دول العالم. هذه السياسة التوسعية في الإنفاق على المشاريع التنموية، يتوقع لها أن تجنب الاقتصاد تبعات الأزمة المالية العالمية في حالة استمرار تداعياتها تلك الأزمة خلال العام المقبل، وبالذات حين النظر إلى حجم الإنفاق الضخم الذي تعهدت به المملكة خلال خمس سنوات مالية، والذي يقدر بنحو 400 مليار دولار، الذي يتوقع له أن يغطي احتياجات التنمية في حالة انخفاض أسعار النفط العالمية لا سمح الله إلى مستويات متدنية كما حدث بنهاية العام الماضي وبداية العام الحالي، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي