القناة الاقتصادية.. فرصة بلا حدود

منذ أكثر من 20 عاماً كان لكاتب هذه السطور شرف المبادرة في الكتابة إلى وزير الإعلام الأسبق الأستاذ علي الشاعر باقتراح يدعو إلى إضافة جزء إلى نشرة الأخبار في التلفزيون يُعنى بأخبار الاقتصاد والمال, وجاء في تلك الرسالة « إن مثل هذه الخدمة الإخبارية ستجد اهتماماً لدى قطاع كبير من المواطنين سواء بالنسبة لأخبار الأسواق والعملات العالمية نظراً لتشابك المصالح الاقتصادية في عالمنا اليوم, أو بالنسبة للأخبار الاقتصادية المحلية نظراً لنمو سوق الأسهم المحلية وازدياد دور القطاع الخاص في الحركة الاقتصادية».
وكان تجاوب الوزير مع ذلك الطرح سريعاً وإيجابيا, وتضمن رده أن «الاقتراح جيد ومفيد وقد أحلته للجهة المختصة بالوزارة للنظر في إمكانية تنفيذه من الناحية الفنية». وبالفعل لم يمض وقت طويل على ذلك الرد إلا وقد تمت إضافة نشرة اقتصادية في نهاية فترة الأخبار الرئيسة في القناة الأولى وما زالت قائمة مع تطوير مستمر. كما أن قناة «الإخبارية» دأبت منذ نشأتها بين الحين والآخر على تغطية بعض الفعاليات الاقتصادية المحلية واستضافة لقاءات تتناول قضايا السوق المالية حازت إعجاب كثير من مشاهديها، ولا سيما في الآونة الأخيرة منذ أن بدأت في تقديم متابعة مباشرة لجلسات سوق الأسهم المحلية.
لكن النمو المطرد في الاقتصاد الوطني, والمستجدات الإقليمية والعالمية في مجال التجارة ورياح الانفتاح التي أصبحت تهب علينا من هنا وهناك, كلها عوامل تدعو إعلامنا الرسمي وغيره للقيام بدور أكبر مما يضطلع به الآن في تغطية الأسواق والأحداث الاقتصادية سواء كانت على أي المستويين المحلي أو الدولي . إذ إن توظيف الإعلام في التعريف بالبرامج الاقتصادية وتسويقها والترويج لفرص الاستثمار أصبح عنصراً مهما في خطط واستراتيجيات كثير من المجتمعات.
ثم إن التطلع لدور أكبر للإعلام السعودي في خدمة الاقتصاد الوطني لا يأتي من فراغ وإنما يستند إلى مرتكزات وحقائق . فالمملكة العربية السعودية تمتلك أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وتجارة واسعة مع شتى دول المعمورة, كما أنها تتصدر صناعة البترول في العالم بصادراتها واحتياطياتها الضخمة. وتحتضن المملكة سوقا مالية تفوق قيمتها الأسواق المالية العربية الأخرى مجتمعة . ليس هذا فحسب، بل إن عدد المواطنين الذين لهم مصلحة مباشرة في هذه السوق أصبح أكثر من تسعة ملايين نسمة, وهو رقم يتخطى بمراحل مجموع سكان دول مجلس التعاون الأخرى بأكملها. بعبارة أخرى هناك فرصة ذهبية أمام التلفزيون السعودي لاستقطاب شريحة كبيرة من المشاهدين, إضافة إلى تحقيق منافع جمة بتنمية الوعي الاقتصادي بين أفراد المجتمع .
لذا كان إطلاق أربع قنوات تلفزيونية جديدة مع مطلع العام الهجري الجديد، من بينها القناة الاقتصادية، بشرى سارة للمواطنين. إذ إن التعريف بنشاط السوق وأداء الشركات المدرجة فيه والمؤسسات المالية الحكومية والتجارية، والفرص الاستثمارية سيكون له دور إيجابي في تشجيع المواطن للمشاركة في هذه السوق وما تقدمه من فرص. وتلك المشاركة ستبني بدورها وبشكل تدريجي سلوكيات جديدة في المجتمع صبغتها الإنفاق المتوازن للفرد والتحول من النمط الاستهلاكي إلى التوفير والاستثمار كي تشارك كل أسرة في تكوين الثروة الحقيقية للوطن . غير أن التعريف بنشاط السوق ينبغي ألا يقتصر على رصد أدائه ونشر بياناته, بل لا بد من تناول هذه المؤشرات بالدراسة والتحليل في ندوات وبرامج منتظمة تشرف عليها وتشارك فيها خبرات متخصصة محايدة لا مصلحة لها فيما تطرحه من رأي مهني. ومن البديهي أنه كلما ازدادت شفافية السوق لفتت انتباه الآخرين لها وجذبت مزيدا من الاستثمارات, ولا سيما إن عُرضت البيانات والمؤشرات وفق معايير يدركها هؤلاء الآخرون.
من جانب آخر فإن تكريس وسائل الإعلام جزءاً كبيراً من طاقاتها لقضايا المال والأعمال سيخلق ثقافة جديدة ليس فقط بين المشاهدين بل أيضاً في بيئة العمل في القطاع الحكومي, ولا سيما تلك الإدارات التي تحتفظ بمؤشرات وبيانات اقتصادية لا غنى للسوق عنها كمعدلات الأسعار, تكلفة المعيشة, البطالة, الوظائف, الميزان التجاري, الدين العام, القروض الصناعية والعقارية, تراخيص الاستثمار الجديدة, قيمة الإنتاج الصناعي, تراخيص البناء .. إلى آخره. إذ ستجد تلك الإدارات نفسها في خضم هذا المد الإعلامي الجديد مجبرة على الإفصاح عن هذه البيانات وتقديمها للجمهور وفق آليات منتظمة كي تحافظ على مصداقيتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي