احذروا الملصقات المضللة.. ومكافحتها مسؤولية مشتركة

انتشرت في الآونة الأخيرة، ظاهرة إلصاق بروشورات دعائية على أجهزة الصرف الآلي الخاصة بالبنوك المحلية من قبل أفراد ومكاتب، تتضمن رسائل موجهة لعملاء البنوك، بالاستعداد للقيام بالسداد المبكر لمديونيات المقترضين، بما في ذلك مساعدتهم للحصول على قروض أخرى بديلة أو جديدة لقروضهم والتزاماتهم المالية القائمة عليهم، وكذلك الإعلان عن تقسيط سلع وبطاقات اتصال مسبقة الدفع لقاء فوائد مختلفة.
مثل هذه الممارسات الدعائية والإعلانية الخاطئة والمضللة في الوقت نفسه، تعد مخالفة صريحة للمادة الثانية من نظام مراقبة البنوك السعودي الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم م/5 وتاريخ 22/6/1386، التي نصت على أنه «يحظر على أي شخص طبيعي أو اعتباري غير مرخص له طبقاً لأحكام هذا النظام أن يزاول في المملكة، أي عمل من الأعمال المصرفية بصفة أساسية»، هذا وقد ورد توضيح لهذه الأعمال في أحكام تطبيق نظام مراقبة البنوك، المعاقب على مخالفتها بموجب الفقرة الأولى من المادة الثالثة والعشرين من النظام نفسه، التي نصت على أنه «يعاقب بالسجن لمدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على خمسة آلاف ريال سعودي عن كل يوم تستمر فيه المخالفة أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكل من خالف المادة الثانية».
تكمن مشكلة مثل هذه الإعلانات والملصقات، كونها تتمثل في إرسال رسائل خاطئة للمواطنين وللمقيمين، بأسلوب يوهمهم بتسهيل عمليات سداد القروض والالتزامات القائمة عليهم لدى البنوك، رغم أنها في واقع الأمر، ما هي سوى إحدى وسائل وأساليب النصب والاحتيال، التي يمارسها ويستخدمها البعض من ضعاف النفوس، للإيقاع بضحاياهم وجرهم أو بالأحرى استدراجهم بأسلوب خادع إلى سلسلة من المتاهات، التي غالباً ما تنتهي بمضاعفة الأعباء المالية عليهم، ولا سيما أنه لمن المؤسف جداً، أن البعض يستخدم في مخاطبته الضحية، الغطاء الديني والشرعي، بأسلوب سيئ وخاطئ للترويج لرسائله لإقناع الضحية، بالتعامل معه وقبول عرضه، حيث إن بعض تلك الرسائل، تفيد بتمكين الضحية من سداد قرضه والحصول على قروض آخر بطريقة دينية تتوافق مع متطلبات الشريعة الإسلامية، مما يساعد على التأثير في نفسية الضحية وإيقاعه فريسة لذلك النوع من الرسائل الدعائية المضللة، كما أن بعض الرسائل توهم عملاء البنوك بتوفير مصادر إقراض بديلة بتكاليف تمويل أقل بكثير من التكلفة الحالية للقرض القائم على العميل، مما يشجع البعض على الانسياق وراء تلك الملصقات والإعلانات المضللة، والوقوع في المحظور، وتحميله أعباء مالية إضافية، هذا إضافة إلى تعرضه لمختلف المتاعب والمشكلات.
نبيل المبارك مدير عام الشركة السعودية للمعلومات الائتمانية «سمة»، لفت الانتباه في حديث له لجريدة «الرياض» في العدد 15121، إلى أن الطرق والأساليب، التي يتبعها أصحاب الملصقات غير متوافقة مع الشريعة الإسلامية لأن فيها استغلالا لحاجة المسلم، ولا سيما أن ظاهرة سداد القروض، تتلخص في سداد قرض المواطن واستخراج قرض جديد له بالحصول على فائدة على كامل المبلغ، التي قد تصل إلى 30 في المائة، والتي تخصم من القرض الجديد مباشرة، كما أنهم يقومون برهن وثائق المستفيد الرسمية وبطاقة الصرف الآلي الخاصة به لضمان حصولهم على مبلغ القرض، مؤكداً في هذا الخصوص، عدم وجود علاقة بين هؤلاء وبين البنوك، حيث إن جزءا من المتعاملين بهذه الملصقات يعملون في مجال نشاط التقسيط ويحاولون الحصول على شريحة من عملاء البنوك المتعثرين، بينما الجزء الآخر يعمل في مجال نشاط الخدمات العامة وتجارة السيارات المستعملة والمواشي، ولا يرتبطون رسمياً بالبنوك أو جهات التقسيط المحترمة والنظامية، كما أن تلك الجهات تفتقد الصفة والوجود الرسمي في النشاط، الأمر الذي يؤكده الرمز لأنفسهم بألقاب دون الظهور باستخدام أسمائهم الصريحة، هذا إضافة إلى عدم وجود مقار لهم.
ضمن جهود الحكومة السعودية في مجال مكافحة عمليات النصب والاحتيال المالي، حذرت وزارة الداخلية ومؤسسة النقد العربي السعودي (ساما)، في أكثر من مناسبة المواطنين والمقيمين من أساليب وطرق الاحتيال المالي والمصرفي المختلفة، وبالذات من الحديثة منها، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، اتصال شخص مجهول بالضحية وإيهامه بأنه موظف في أحد البنوك المحلية، ويطلب منه معلومات وبيانات خاصة بحساباته البنكية، بهدف التحديث، ومن ثم يقوم باختلاس المبالغ المالية من أرصدة حساباته، ولهذا السبب وبهدف حماية عملاء البنوك من الوقوع في مثل عمليات النصب والاحتيال هذه، فقد شددت «ساما» على عدم تحديث البيانات الخاصة بحسابات العملاء، سوى من خلال اتباع الطرق النظامية وهي فروع البنوك المحلية، وليس عن طريق الهاتف.
البنوك السعودية في الماضي القريب بالتعاون مع مؤسسة النقد العربي السعودي، أطلقت حملة توعية وتثقيف لعملائها، استهدفت حمايتهم وتحصينهم ضد عمليات الاحتيال المالي والمصرفي، باستخدام عديد من أساليب وطرق ووسائل التوعية والتثقيف، حيث استخدمت خلال المرحلة الأولى سلسلة من النشرات الإعلانية عبر الصحف المحلية، إلى جانب ما تم بثه من رسائل توعوية بواسطة الهاتف الجوال، التي بلغ عددها 1.770.000 رسالة، هذا إضافة إلى إجراء عديد من الحوارات الصحافية والمقابلات التلفزيونية بخصوص الموضوع نفسه مع رئيس لجنة التوعية المصرفية الأستاذ خالد أبو عبيد.
خلاصة القول، إن انتشار ظاهرة الملصقات في الآونة الأخيرة ووضع البروشورات الدعائية على أجهزة الصرف الآلي الخاصة بالبنوك المحلية، التي توهم عملاء البنوك بالسداد المبكر للمديونيات والمساعدة على الحصول على قروض أخرى جديدة، تعد أحد أساليب النصب والاحتيال التي يعاقب عليها القانون بموجب الفقرة الثانية من نظام مراقبة البنوك، لكونها تصرفات خاطئة تمارس من قبل بعض ضعاف النفوس، ولكونها تنطوي على أبعاد وآثار سلبية للغاية على الأمن وعلى الاقتصاد الوطني، وأيضاً لكونها تمس بشكل مباشر الصالح العام، وتتقاطع مع أعمال البنوك، مما قد ينطوي على ممارستها عمليات غسل أموال، خصوصاً أنها تمارس من قبل أشخاص طبيعيين أو اعتبارين غير مرخص لهم ولا يخضعون لأي إشراف ولا لأي رقابة أو تنظيم، ومن هذا المنطلق فإن القضاء على هذه الظاهرة، يتطلب أن تتكاتف جهود جميع مؤسسات المجتمع العام والمدني، وأعني بذلك الجهات الأمنية وأمانات بلديات المدن، والغرف التجارية ووسائل الإعلام المختلفة، بما في ذلك البنوك المحلية، وبالذات فيما يتعلق بالتوعية بالآثار السلبية لتك الممارسات، الأمنية والاجتماعية والاقتصادية، كما أن المسؤولية تقع على المواطن والمقيم في عدم التجاوب مع تلك الملصقات والبروشورات الدعائية المضللة، حيث إن عدم الاستجابة لها وعدم التعامل معها، سيعملان على القضاء عليها ــ بإذن الله تعالى، وعلى المروجين لها، مما سيوفر الحماية المالية المنشودة للمواطن وللمقيم على حدا سواء، ويقي الاقتصاد الوطني ويحميه من الوقوع في العمليات المالية والمصرفية المشبوهة، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي