المشروع الوطني الصحي
تبنت وزارة الصحة ولأول مرة مشروعا صحيا متكاملا واضح المعالم لبناء منظومة صحية متكاملة في محاولة جادة للتعامل مع الفجوات المزمنة في الخدمات الصحية. يسجل لهذا المشروع واقعيته فهناك ربط واضح بين التكاليف الباهظة المترتبة على الزيادة السكانية وحالة الوعي الصحي للناس وتكلفة أمراض العصر الحديث من ناحية, وقبول حقيقة أنه لا بد للقطاع العام من القيام بالدور الرئيس, حيث أثبتت التجارب العالمية أن دور القطاع الخاص يبقى مكملاً وحافزاً ولكنه ليس بديلاً.
المشروع الصحي يحمل عدة خصائص أتت على أثر تجربة الوزارة إداريا واقتصاديا، فمثلا ستكون هناك ثلاثة مراكز كبيرة متخصصة في المناطق السكنية الرئيسة نظراً لمحدودية القدرة على توفير الخدمات الصحية الكاملة في كل مدينة صغيرة, حيث اتضح أن المستشفيات التي أقل من 150 سريراً غير اقتصادية نظراً لارتفاع التكاليف وخاصة المختصين وبالتالي ارتفاع التكلفة المتوسطة على المستشفيات الصغيرة وفي هذا اعتراف وعدول عن تجربة سابقة.
الاتجاه بقوة للقطاع العام كاستراتيجية مفهوم في ظل المعطيات المعروفة من تكلفة ومسؤولية الحكومة كما ورد في نظام الحكم ومسؤولية وزارة الصحة ولكن الواقع العملي مالياً وفنياً وكفاءة تشغيلية هو ما يحدد سقف وكفاءة أداء الوزارة وهذا المشروع خاصة. يبدو أنه بعد تجربة عدة دورات وزارية تكونت لدى الوزارة رؤية واضحة ولكن المعوقات ليست قليلة.
لن يرى المشروع النور بهذا القدر من التكامل دون الاستدلال ببعض نواحي تجربة القطاع الخاص. أثبتت التجربة لدينا وخاصة في القطاعات الخدمية مدى استعداد البعض للإخلاص والإحساس بالمسؤولية ولكن الأغلبية ليس لديها هذا الاستعداد الفعلي. في المقام الأخير ومثل أي مشروع آخر سوف يعتمد النجاح على مدى التماسك الإداري أولا وعلى التمويل المالي المقبول وعلى كفاءة التشغيل والقياس (التوازن بين العرض والطلب, معرفة التكلفة المقارنة عالميا لكل خدمة, وترشيد الخدمات).
العيب المزمن في الطاقات البشرية يأتي مصحوبا بتفكير انساب إلينا تدريجيا: الأحقية في الوظيفة الحكومية دون مسألة. سبق لي أن رأيت عن قرب أداء بعض السعوديين وغير السعوديين في أحد المستشفيات الحكومية, ورأيت ليس مستوى الكفاءة فحسب بل حتى اللامبالاة والطمأنينة على الوظيفة المضمونة. لعلنا نطلب من وزارة خدمات استفحل فيها "سوء الظن حول الكفاءة" شيء صعب للغاية ولكن بما أن المشروع جديد والرؤية واضحة والتجربة أصبحت ناضجة فقد حان الوقت لتجربة بشرية جديدة عنوانها الحق والمحاسبة (القدرة على فصل المقصر بسهولة). دون ذلك لن يرى المشروع النور بالمستوى الذي عبر عنه الوزير وفريقه. كذلك لعل الوزارة تستطيع إقناع وزارة المالية والجهات العليا بمدى الحاجة إلى دعم المشروع مالياً وإدارياً وتجربته على مدى خمس سنوات (يعاد تقييم تجربة المشروع من جهات مستقلة متخصصة) خاصة أن حصة وزارة الصحة من الميزانية (6 في المائة) ليست بالمستوى المطلوب مقارنة بالدول الأعلى مستوى صحياً.