50 دولارا خسارة «السعودية» من راكبها.. فكيف تتطور؟

بدأت المؤسسة العامة للخطوط العربية السعودية «السعودية» أخيراً في تطوير أسطولها الجوي، بإضافة 70 طائرة جديدة، من طراز بوينج 787 (12 طائرة)، وإيرباص أ 330 (8 طائرات)، وإيرباص أ 320 (50 طائرة)، ليصبح قوام أسطولها الجوي 159 طائرة بحلول عام 2011، وبهذا تكون «السعودية»، قد قطعت شوطاً كبيراً بتحديث أسطولها الجوي، بما يلبي احتياجاتها التشغيلية على المديين القريب، والطلب المتنامي في عدد الركاب وعدد الرحلات.
تحديث أسطول السعودية يأتي ضمن إطار الجهود الرامية، إلى إعادة هيكلتها من خلال تخصيص عدد من أنشطتها، وإطلاق شركات متخصصة في الخدمات الأرضية والتسويق، تساعد على تحقيق نقلة نوعية للمؤسسة وجعلها أقوى وأفضل من السابق، بالذات من حيث قدرتها على تلبية الطلب المتنامي على خدمات النقل الجوي في السعودية، بما في ذلك التعامل مع المنافسة على جودة ونوعية الخدمات، التي تقدمها شركات الطيران الأخرى المنافسة لعملائها على المستويين المحلي والإقليمي، بما في ذلك على المستوى العالمي.
رغم الجهود الحثيثة التي يبذلها القائمون على إدارة السعودية، للارتقاء بأداء خدماتها المختلفة سواء على الأرض أم بالجو، إلا أن هناك حالة من الاستياء العام تسود جمهور العملاء، بالذات بالنسبة للرحلات الداخلية، بسبب معاناتهم من تدني مستوى الخدمات بشكل عام، وتدني مستوى الخدمات الأرضية بشكل خاص، بالذات المرتبطة بخدمات الحجز، وتعددية الرحلات، وانتظام مواعيد الإقلاع والهبوط، وخدمات العفش، بما في ذلك تعامل موظفي الكاونتر وما في حكمهم Ground Staff، الذين يغلب على تعاملهم مع الجمهور طابع الفظاظة والجلافة والتعالي.
يذكر أن ما يضاعف من تدني مستوى خدمات «السعـــودية»، مقــارنة بما تقدمه أقــرانها من الشركات المنافسة بالدول المجاورة وبالدول المحيطة بنا، الحالة المتواضعة جداً، التي تعيشها مطاراتنا الـ 26، بما في ذلك المطارات الخمسة الدولية، وبالذات بالنسبة لمستوى خدمات المساندة والخدمات اللوجستية التي تقدم للمسافرين، رغم أن مطار الملك خالد الدولي في الرياض على سبيل المثال، عند تصميمه وافتتاحه في عام 1983، كان يفترض له أن يكون أكبر وأفضل المطارات على مستوى المملكة والعالم، بمساحة إجمالية تبلغ نحو 225 كيلومترا مربعا.
مشكلة ثبات الأسعار وعدم تحريرها لأكثر من 15 عاماً، بالذات بالنسبة للرحلات الداخلية تشكل هاجساً وتحدياً كبيراً بالنسبة لقدرة «السعودية» على تسويق النقل الجوي الداخلي، بالشكل الذي يمكنها من تقديم خدمة أرضية وجوية مرضية لعملائها، حيث تشير معلومة إحصائية إلى أن «السعودية» تتكبد خسارة يومية مع كل مسافر على رحلاتها الداخلية مبلغ 50 دولارا أمريكيا، كما أن توقف الحكومة عن تقديم الدعم المالي السنوي لـ «السعودية» منذ عام 2002، البالغ نحو 800 مليون ريال، وارتفاع تكلفة شراء الطائرة بنحو ثماني مرات مما كانت عليه في الماضي، (حيث تبلغ قيمة شراء الطائرة في الوقت الحاضر مبلغ 160 مليون دولار أمريكي، بينما كانت تصل تكلفتها في الماضي إلى 20 مليون دولار أمريكي)، هذا إضافة إلى الزيادة التي طرأت على أسعار وتكاليف قطع الغيار، بارتفاع يزيد على معدل 5 في المائة، جميع هذه العوامل وغيرها قد أضعفت من قدرة «السعودية» المرتبطة بتحسين خدماتها بالجو وعلى الأرض.
للخروج من مأزق تدني الخدمات، التي تعانيها «السعودية» في الأرض وفي الجو، نتيجة أسباب داخلية (مثل ارتفاع تكاليف التشغيل، ضخامة عدد الموظفين، تقادم الأسطول، وارتفاع تكاليف الصيانة)، وأخرى خارجية (مثل ارتفاع أسعار الوقود، وتدني خدمات المطارات الأرضية اللوجستية)، يتطلب استكمال «السعودية» لمراحل عملية إعادة الهيكلة المختلفة في أسرع وقت ممكن، والتي قد بدأتها في وقت سابق، بتجزئة المؤسسة إلى عدة شركات، حيث قد تم الانتهاء من خصخصة وحدتي التموين والشحن، لكون ذلك سيمكنها من تطوير الخدمات المرتبطة بقطاع النقل الجوي إلى جميع المحطات الداخلية والخارجية، كما أن تحديثها لأسطولها الحالي، سيمكنها من تشغيل الأسطول بشكل أفضل مما هو عليه واقع الحال اليوم، لا سيما أن الأسطول الجديد، سيتيح لها تشغيل الطائرات طبقاً لما يعرف في نظام تشغيل الطائرات لدى شركات الطيران بـ Point to Point، الذي بدوره سيحقق وفورات في تكاليف التشغيل لـ «السعودية»، ويوفر في الوقت نفسه الراحة للمسافرين بأسعار تفضيلية، كما أن تحرير أسعار التذاكر، سيساعد على ارتفاع مستوى وجودة الخدمة، لكون هذا سيمكن «السعودية» من التحكم بأسلوب مرن في أسعار بيع التذاكر، بالشكل الذي يخدم مصالح «السعودية» (الاستغلال الأمثل للمساحة المقعدية المتاحة)، ومصالح ركابها على حد سواء، حيث سيتمكن المسافرون من شراء التذاكر بأسعار تنافسية وتفضيلية، تتناسب مع إمكاناتهم ودخولهم المالية في الأوقات التي يحددونها.
خلاصة القول، إنه لا يمكن بأي حال من الأحوال، مطالبة الخطوط الجوية العربية السعودية، تقديم خدمات أرضية وجوية بأفضل مما هو عليه واقع الحال اليوم، بالذات في ظل ظروف تشغيلية وتسويقية وتجارية وإدارية تعيشها «السعودية»، تعد هي الأسوأ على مستوى شركات الطيران في العالم، بالذات في ظل ثبات أسعار التذاكر وتوقف الإعانة الحكومية منذ عام 2002، وتدني خدمات المطارات المساندة، ولهذا فإن الأمر يتطلب من «السعودية»، الإسراع من الانتهاء من خطوات إعادة الهيكلة الجديدة لعملياتها التشغيلية ولأنشطتها التسويقية والإدارية، بما في ذلك تحديث أسطولها وتحرير أسعار بيع تذاكرها وتحسين خدمات المطارات، الأمر الذي سيمكنها ــ بإذن الله ــ من تحقيق طموحات وتطلعات المؤسسين والمساهمين، بما في ذلك العملاء، وتحقيق الأرباح المنشودة من العمليات محليا وداخلياً، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي