حتى في الأسهم: «وللناس فيما يعشقون مذاهب»
«ومن مذهبي حب الديار لأهلها وللناس فيما يعشقون مذاهب»
هكذا يقول أبو فراس الحمداني وقد تأملت الشطر الثاني من البيت ورأيته ينسحب في معناه على واحدة من نظريات العلوم المالية المختصة في تفسير التوزيعات النقدية والتي عادة ما تتبعها الشركات في سياساتها المالية. ولكوننا على أعتاب اختتام الأعمال للسنة وظهور نتائج الشركات وبالتالي تقرير الأرباح التي توزع وتلك التي تحتجز لصالح أعمال الشركة المستقبلية، فقد رأيت مناسبة التعرض إلى موضوع سياسة توزيع الأرباح وتفسير الاختيار بين التوزيع من عدمه وانعكاس ذلك على أسعار السهم. إن الشركات في الأسواق المتقدمة تسعى دوماً للاستفادة من الأموال بشكل عام بالطريقة المثلى والأكثر كفاءة في سبيل نموها وتعضيد أعمالها بكفاءة. ولذا فسياسة التوزيع للأرباح تخضع لعدد من المحددات محورها الأكثر كفاءة لصالح الشركة. وقد فسرت نظريات العلوم المالية التباين في انعكاس هذا الخبر أي توزيع الأرباح على أسعار الشركات بعدد من التفسيرات في مسببات هذا الانعكاس الإيجابي حين يكون معنى التوزيع إيجابياً مثل الزيادة في التوزيع أو على الأقل المحافظة على نفس النسب السابقة أو الانعكاس السلبي حين يكون المعنى سلبياً. ومن هذه التفسيرات أن كل شركة ومن خلال سياسة توزيعاتها تكون مجتمعاً استثمارياً خاصاً بها يحب طريقة توزيعاتها لأسباب مختلفة خاصة به إما لأسباب ضريبية أو ربما الحاجة للسيولة والنقد في ذاك الوقت. والبعض الآخر يرى عدم رغبته في توزيعات نقدية مفضلا بذلك النمو في الأسعار للمستقبل من خلال استخدام هذه الموارد المالية في نمو الشركة ومستقبلها لينعكس ذلك النمو فيما بعد على سعر أسهمها. ولذا فهناك أكثر من مذهب «في عشق سهم عن آخر» لتكون المحصلة النهائية الانعكاس على السهم بحسب درجة ذلك التفضيل ونوعية هؤلاء الراغبين في سياسة الشركة التي اختارتها. وهذا ما يسمى بظاهرة «العملاء» في تفسيرات السياسة النقدية لتوزيع الأرباح وهي واحدة من التفسيرات التي لن أدخل في باقيها لكيلا يطول المقام في الشرح هنا.
أما في سوقنا المحلي فهل تنطبق هذه النظريات على تفسيرات توزيع الأرباح؟ في تقديري لا، لعدد من الأسباب من أهمها عدم كفاءة السوق من الناحية النظرية بانعكاس المعلومة بالشكل الصحيح وبالوقت الصحيح. فلربما تسربت الأخبار قبل مواعيد الإعلان. علاوة على الإيمان بالمفهوم السائد ومقولة «عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة» لذا تفضل التوزيعات النقدية بغض النظر عن مستويات الأرباح وخطط الشركة للنمو وحاجتها لتمويل معين مقارنة بتكاليف ذلك التمويل. إن الأرباح بغض النظر عن سياسة توزيعها إما نقداً حال تحصيلها أو ادخارها لتمويل مستقبلي في الواقع هو المحك وليس التوزيع في حد ذاته لأن تلك الأرباح هي جزء من مقومات النمو للشركة. لذلك يجب أن يؤخذ الأمر من هذا المنظار غير أن أسباب عدم الكفاءة في السوق المحلية وعدم الثقة بأداء الشركة هي من مسببات ذلك «العشق» للتوزيعات النقدية وفي ذلك سلبية تفوت على الشركات تقليل التكاليف للتمويل المستقبلي المطلوب، ما يجعل الصورة الإجمالية لتكاليف التمويل أكبر مما يجب لكون هذا العشق قد بني على أساس لا يتفق والنظرية الاقتصادية.