متطوعو جدة .. غير!
الحدث الجلل الذي هز أهلينا في جدة وزهقت بسببه عشرات الأنفس وأعقب خسائر كثيرة في الممتلكات الخاصة والعامة استثار همم كثير من المواطنين والمقيمين وقدموا لنا أمثلة رائعة في التطوع والاحتساب، وما زالت الصحف المحلية والمجالس من هنا وهناك تنثر قصصاً وأخباراً جميلة عن متطوعين غامروا بأنفسهم وضحوا بأوقاتهم وأموالهم في خدمة المتضررين من كارثة عروس البحر الأحمر.
يكفي لتوضيح أهمية ما قام ويقوم به هؤلاء المتطوعون في كارثة جدة أن نتخيل الحادثة بدونهم، بدون مغامراتهم وتضحياتهم، بدون الساعات الطويلة التي يقضونها متطوعين بلا أجر مادي في خدمة المتضررين ، حقاً تكون الكارثة مضاعفة والخسائر أجسم وأكبر. جدة كعادتها تقدم للمدن السعودية في كثير من الأحيان مثالا آخر تعبر عن تميزها مكرسة بذلك شعارها .. جدة غير!
إنها دلالات كثيرة تلك التي يمكن أن نستقيها من متطوعي جدة مع أننا في بداية المشوار. من أبرزها أن الشعب وفئة الشباب بالذات لديه من الطاقة والرغبة التطوعية ما يمكن من خلالها أن يقوم بأدوار حيوية ومهمة في حياة الشعب السعودي ، إن الآلاف من المتطوعين الذين تضافرت جهودهم، سواء كانت هذه الجهود على مستوى مجموعات أو من خلال الجمعيات الخيرية في أقل من أسبوع لهو إشارة جدية على أن العمل الخيري والتطوعي قادر أن يؤدي دور حيوي في المجتمع، وأن جزءاً من وقت وجهد صناع القرار يجب أن يتجه نجو توسيع المجال أمام المتطوعين ليشاركوا في مسيرة التطور التي تشهدها المملكة العربية السعودية.
ولأن جدة غير ، فإني أتمنى ألا تكون تلك الجهود التطوعية الرائعة التي جسدت تلاحم المجتمع الجداوي، ألا تكون (فزعة) تنتهي بانتهاء الأزمة، وتتبخر بتبخر مستنقعات السيول.
الفزعة في المجتمع السعودي متأصلة ونتيجة تلقائية لما تعج به قلوب السعوديين من شهامة إلا أن نفس الفزعة قصير ، ولذا فالأمل معقود على متطوعي جدة أن يضربوا لنا أروع الأمثلة في استثمار الفرصة بتأسيس أعمال وبرامج تطوعية مستمرة تستثمر تلك الجهود التطوعية وتواصل المسيرة.
إن المشكلات البيئية التي تعانيها عروس البحر الأحمر جديرة بأن تكون من ضمن خريطة اهتمامات المحتسبين والمتطوعين وحريّة بأن تأسس لها جمعيات خيرية مستقلة تحمل على عاتقها توعية المجتمع وأصحاب القرار بخطورتها. بحيرة المسك وحدها التي تتربص بأهلنا في جدة حرية بأن تستنهض العزائم التطوعية بين المختصين لكي يرفعوا الوعي المجتمعي بخطورتها على مستقبل جدة.
وفقاً لمعلوماتي المحدودة، فإن عدد الجمعيات الخيرية السعودية التي تعتني بالبيئة قليل جدا ولا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، بينما تزخر الدول الغربية بآلاف المنظمات الخيرية من هذا النوع. عندما نوسع مفهومنا للعمل الخيري من تقديم المساعدات المباشرة للمحتاجين إلى مجاله الواسع الذي يشمل كل مناحي حياة الناس، عندها سنستشعر أهمية أن يكون لدينا منظمات تطوعية تعتني بالبيئة التي يعيش فيها الإنسان. الفرصة سانحة لمتطوعي جدة أن يحولوا (الفزعة) إلى عمل تطوعي مؤسسي متنوع ورائد، لتكون جدة كعادتها.. غير!