مشاريع الصرف الصحي .. ثمن التأخير!

من المشاريع الحيوية للمدن التي كشفت الكارثة في جدة أهمية المضي بها ووضعها ضمن أولويات الإنفاق الحكومي، مشاريع الصرف الصحي وتصريف السيول وخفض منسوب المياه السطحية .. وهذه مشكلة تتساوى فيها كل قرانا ومدننا تقريبا، وتعليق هذه المشكلة لعدة عقود مضت ربما هو الذي أوصلنا إلى هذه الكوارث وإلى (رفع تكلفة) علاج المشكلة بشكل كبير.
هذه المشاريع حيوية للمدن ولا قيمة لكل مظاهر العمران والتحديث إذا كانت الشوارع تطفح بمياه الصرف الصحي، والمستنقعات تتواجد لأشهر فتتيح الفرصة لتولد مصادر الأمراض، فالبيئة العمرانية والسكانية الصحية لن تشهدها مدننا إذا لم نتخذ خطوات حاسمة في سبيل إنهاء أوضاع الصرف الصحي .. والظروف دائما كانت مهيأة للحكومة لإيجاد الحلول الجذرية الدائمة، فالناس توطنت قناعاتهم على استعدادهم للمشاركة في التكاليف المترتبة على المشاريع المخصصة لمعالجة مشكلات المياه، والآن الناس مهيأون لتقبل الحلول الجذرية .. المهم ألا تترك الأمور معلقة وتحت رحمة اعتمادات الميزانية العامة للدولة، فما يدفعه الناس لتكاليف (غرف) تجميع الصرف الصحي في الوحدات السكنية الخاصة والعامة، يفوق التكاليف التي تُدفع كرسوم لإيصال الخدمة .. ثمة تكاليف ضرورية للصحة والسلامة لن يتردد الناس في تحملها إذا كانت موضوعة ضمن سياسات عامة ونفقات مدروسة ومجدولة.
وبالتأكيد أن المضي في حل مشكلة المياه سوف يؤدي إلى نتائج إيجابية تدعم توجه الدولة لإنهاء مشكلة المياه في المدن، ومنها أو في مقدمتها تجنب الكوارث الإنسانية وتداعياتها الاجتماعية والسياسية. أيضا مثل هذا الحل الدائم سوف يدعم التوجه الوطني الاستراتيجي للاهتمام بالثروة المائية المتناقصة لدينا، فوجود مشاريع تغطي المدن سوف يتيح تجميع المياه ومن ثم معالجتها وإعادة استخدامها، وفي وضعنا القائم لا أعتقد أننا نجمع ما يقارب الـ 20 في المائة من حجم المياه السطحية في مدننا وقرانا (أرجو أن أكون مخطئا في هذه النسبة).
أيضاً لدينا ميزة أخرى نجنيها من الحلول الشاملة لأوضاع السيول والصرف الصحي، وهي حماية الممتلكات العامة والخاصة من التدمير، وما حدث في جدة مثال حي، فحجم التدمير ربما يفوق بمراحل المبالغ المطلوبة لمشاريع الصرف والتصريف، وهناك التدمير الدائم للممتلكات الذي ينتج عن تدمير الأساسات للمباني وتقليل عمرها الزمني، وأيضاً التدمير المستمر للطرق، وهذا يستنزف المبالغ لمشاريع الصيانة ويؤدي إلى تلف مستمر وصامت للمركبات بأنواعها وكل هذا يوضح مدى الحاجة إلى النظر للمشكلة وأثرها على الاقتصاد الكلي، فالآثار متعدية ومستدامة.
إن التأخر في توسيع مشاريع الصرف الصحي وحلول مشكلات السيول، قد لا يأتي من عدم توافر الاعتمادات المالية، ففي السنوات الأخيرة خصصت الحكومة آلاف الملايين لمشاريع عديدة في مختلف المدن، ولكن هذه المشاريع بعضها تعثر أو توقف بسبب ضعف قطاع المقاولات وسوء إدارته وضعف الإشراف والمتابعة الحكومية، وقطاع المقاولات السعودي أثبتت مشاريع البنية الأساسية الكبيرة في السنوات الأخيرة مدى ضعفه وترهله وسوء إدارته، والجهات الحكومية المعنية بهذا القطاع يفترض أن ترتب أوضاعه بالتعاون مع الغرف التجارية.
أيضا الحكومة عليها أن تتشدد في ضوابط فسح المخططات الجديدة للتأكد من مدى توافر الخدمات الأساسية مثل الصرف الصحي وتصريف السيول .. فالسلطات الحكومية، عقلاً وشرعاً، تتحمل المسؤولية عن المشكلات المستقبلية، وهذا دور الحكومات، عليها أن تتحسب لكل الاحتمالات وعليها أن تحمي الناس من أنفسهم، من جهلهم وطمعهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي