نظرية الاقتصاد والتمويل الإسلامي هي التي ستقدم حلولاً للأزمة

استطاع التمويل الإسلامي أن يفرض نفسه بقوة على واقع الصناعة المالية العالمية خلال السنوات القليلة الماضية، هذه حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها؛ لأن معدلات نمو الأصول المالية الإسلامية على المستوى العالمي تنمو بمتوسط سنوي يتراوح بين 15-20 في المئة منذ قرابة عقد من الزمان. ولا يمكننا أن نتجاهل العديد من العوامل التي أسهمت في ذلك النمو ومنها على سبيل المثال لا الحصر التوجه السوقي القوي بين العملاء للتعامل المالي الإسلامي، وإسهام السلطات التنظيمية (البنوك المركزية) في تنظيم العمل المالي الإسلامي والتشريع له.

ومن بين أهم العوامل التي ظهرت على الساحة مؤخراً الاهتمام الدولي بالعمل المالي الإسلامي بعد الأزمة المالية العالمية التي كشفت بعض عورات النظام المالي التقليدي الذي يمثل الشريان المالي للاقتصاد الرأسمالي. فمنذ الأزمة أصبحنا نرى دولاً غربية عظمى تسعى لأن تكون عواصم للتمويل الإسلامي، ففي يونيو من العام الماضي هب جوردن براون رئيس الوزراء البريطاني ليصرح للعالم أنه سيجعل من لندن العاصمة الأولى في العالم للتمويل الإسلامي. ثم أطلق الكونجرس الفرنسي بياناً صرح فيه أن التمويل الإسلامي فيه من المزايا ما يوفر بيئة آمنة للاستثمار والتمويل وبعدها شددت باريس على أنها هي الأخرى ستصبح عاصمة للتمويل الإسلامي. ولم يكن الكونجرس الأمريكي ليجعل نفسه بعيداً عن الحدث فكلف الباحثين بتقديم دراسات عن التمويل الإسلامي من أجل البحث في إمكانية التشريع له واحتضانه. كما ركبت كوريا الجنوبية الموجة وأعلنت سول أنها ستكون هي الأخرى عاصمة للتمويل الإسلامي. ولعل أكثر التصريحات العالمية واقعية تجاه التمويل الإسلامي هو ما ورد عن الفاتيكان بضرورة الاستفادة من تحريم الربا والغرر التي يركز عليها التمويل الإسلامي. لكن أكثر الآراء إثارة للجدل كان ما توصل إليه اليابانيون في مجموعة نومورا المالية، حيث أعلنوا أن التمويل الإسلامي المطبق حالياً لا يختلف عن التمويل التقليدي من حيث الآليات وأنه لن يعطي قيمة مضافة في حالة تطبيقه.

وفي حقيقة الأمر، يمكننا أن نقول إن جميع التصريحات على حق، ولكن كلا من وجهة نظره. فمن أعلن أنه سيكون عاصمة للتمويل الإسلامي يهدف أساساً إلى اجتذاب السيولة الفائضة الكامنة في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والخليج العربي بشكل خاص والدليل على ذلك أنهم لم يصرحوا بأنهم سيتحولون إلى النظام المالي الإسلامي بل للتشريع له على غرار النظام التقليدي ضمن قانون ثنائي تسير عليه الدولة. ولعل الكوريين الجنوبيين كانوا أكثر وضوحاً بهذا الصدد، حيث صرحوا بأنهم يهدفون إلى إصدار صكوك إسلامية لتمويل الشركات والمشاريع.

أما تصريح الفاتيكان، فقد وصف الجانب النظري للتمويل الإسلامي في حين أن الرأي الياباني وصف الجانب العملي المطبق هذه الأيام. ولعل هذين التصريحين اللذين يظن البعض أنهما متناقضان، يكملان بعضهما بعضاً ويوضحان الصورة الحقيقية للجدل الدائر حول التمويل الإسلامي في هذه الأيام من حيث إمكانية أن يصبح بديلاً كلياً للتمويل التقليدي.

فالتمويل الإسلامي من الناحية النظرية لا غبار عليه لأنه محكوم بقانون إلهي، وهذا القانون بلا أدنى شك له أهداف عامة تحقق المصلحة في المال والنفس والبدن والدين. فعندما تجبر نظرية التمويل الإسلامي منح المال مقابل أصل أو منفعة أو جهد، يكون هناك فوائد جمة على الاقتصاد والمجتمع فيحفز الإنتاج وتخلق الفرص السانحة في الاقتصاد الحقيقي، وهذا ما يفتقر إليه الاقتصاد المالي الذي يركز على أسواق المال بكافة أنواعها والمقامرة في أدواتها التي توصف بأنها مبتكرة بالإضافة إلى المضاربات التي لا تسمن الاقتصاد الحقيقي ولا تغنيه من جوع. أما ما هو حاصل في هذه الأيام، أن جزءاً من المنتجات المالية الإسلامية ما هو إلا تقليد للمنتجات المالية التقليدية ولكن بإطار عقود شرعية تأتي ضمن إطار ما يعرف بالهيكلة الشرعية للمنتجات التقليدية. وهذا كله يفسر الرأي الياباني الذي مفاده أن التمويل الإسلامي لا يختلف تطبيقاً عن التمويل الحقيقي.

ومن جهة أخرى، يجدر بنا طرح سؤال مفاده أنه لو كانت بنوك إسلامية متواجدة في أمريكا في أوج الطفرة العقارية، فهل هذا سيخفف من أثر أزمة الرهن العقاري الأمريكي؟ الجواب على هذا السؤال ليس بالسهل، فأزمة الرهن العقاري أساسها المغالاة في تمويل العقار والمضاربة عليه وهذا ليس مشمولاً بالتطبيق العملي الحالي للتمويل الإسلامي، كما أنه ليس من اختصاص الهيئات الشرعية أن تقول للبنك لا تفرط في التمويل العقاري لأن واجبها بشكل عام الإفتاء على مشروعية العقد ومراقبة تنفيذه وليس التدخل في توزيع المحفظة التمويلية.

وفي الشق الآخر من الأزمة الذي فاقم منها بتوريق القروض العقارية وطرحها في الأسواق المالية من أجل الحصول على نقد يتم استخدامه أيضا في عمليات تمويل عقاري إضافية، نجد أنه من الناحية الفقهية ليس هناك من مانع لأن تقوم البنوك الإسلامية بتصكيك تمويلها العقاري وطرحه في السوق بشكل منفرد أو مشتملاً على خلطة من الديون والعقارات لا يزيد فيها الدين على 50 في المئة.

وفي الجزء الأخير من الأزمة، وهو سوق المشتقات المالية، نجد أن البنوك الإسلامية لن تستطيع أن تدخل في هذه السوق لأن غالبية أدواتها محرمة مع العلم أن هناك من يسعى جاهداً لإيجاد حلول (أو ربما حيل) من أجل الدخول في هذه السوق التي لا يمكن وصفها إلا بسوق القمار أو الكازينوهات ـ كما يحلو لبعض المفكرين الغربيين تسميتها.

وفي ضوء التطبيقات المعاصرة للتمويل الإسلامي، لا يمكن لأي أحد الجزم بأنه (أي التمويل الإسلامي) قادر على معالجة الأزمة المالية العالمية، كما أنه يمكن لجميع المختصين الجزم أن النظرية الاقتصادية والتمويلية الإسلامية هي التي ستوفر الحلول لكل مشاكل العالم الاقتصادية .

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي