مضمار المشي.. مدرسة تربوية واجتماعية!!

أثبتت الدراسات الطبية المبنية على البراهين، أنه بمزاولة الرياضة المتوسطة يمكن لمرضى الأمراض المزمنة كداء السكري وارتفاع ضغط الدم والكوليسترول وغيرها، أن يستغنوا عن غالبية الأدوية أو على الأقل التقليل من كمياتها وأعدادها. وقد أثبتت تلك المنشآت أنها أفضل المواقع لممارسة الرياضة لكافة الفئات العمرية، وقد لا أبالغ في القول إن أهميتها توازي أهمية إنشاء المصحات، لأنها في واقع الأمر تحد من حاجة الناس إلى العلاج الطبي.
ومن مميزات تلك الأماكن أنها لا تحتاج إلى تكاليف صيانة عالية، كما أنها تعود المجتمع على احترام الآخر وتقلل من الشد النفسي الذي نشاهده (مع الأسف) في شوارعنا، فعند تأسيس أول مضمار للمشي في الرياض سمي ممشى الحوامل (ممشى الملك عبد الله)، وذلك لحاجة المرأة الحامل للمشي، وقد كانت المرأة لا تمشي وحدها لوجود بعض التجاوزات، ولكن بتكاتف المجتمع أصبح هنالك نوع من الاحترام وعدم التجاوز، فكم نحن بحاجة إلى توسيع دائرة الاحترام لتشمل جميع المواقع والأسواق!!
أما الفائدة الأخرى من تلك المنشآت وضرورة وجودها في جميع مناطق المملكة، أنها تقلل الحاجة إلى وجود الإشارات الضوئية (غير الضرورية)، التي غالبا ما تكون سبباً للازدحامات والتلوث البيئي، وخير دليل على ذلك، ممشى ألعاب الروضة، فقد كانت هنالك قبل إنشاء الممشى أزمات مرورية، ولكن بعد ذلك التحوير المعماري أصبح السير في المنطقة سهلا وأكثر انسيابية كما قلت فيه الحوادث المرورية.
والفائدة الثالثة والمهمة أيضاً أن تلك المواقع يمكن أن تكون مدارس تربوية لتعويد المجتمع على احترام الأنظمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر: مواقف السيارات تحتاج إلى تقيد والتزام كامل بالوقوف في المكان المحدد، وهذا يحتاج إلى إسهام المرور في التقيد بها. كما يتم تعويد الناس على ألا تتعدى حرياتهم حريات الآخرين وتهميشهم، فمثلاً في مثل تلك المنشآت لا بد أن يمنع التدخين منعاً باتاً لأن الأمر فيه تجاوز لحريات الآخرين، كما أن هذا الالتزام يعد رقياً اجتماعياً وأسلوباً حضارياً مميزاً، أما تجاوزات الشباب فيمكن تحجيمها بالإكثار من تلك المواقع وتأصيل احترام الآخر، وقد يلزم الأمر النصح أولاً والاستعانة بجهات تأديبية وبأسلوب راق، خصوصاً أن الشباب يحتاج إلى النصح والتوجيه، وينبغي أن ينبه دائماً إلى أهمية النظام واحترام الآخر.
وأخيراً وليس آخراً، يمكن (في هذه المواقع) تعويد المجتمع التقيد بالنظافة والحرص عليها، فقد نلحظ وللأسف الكبير، أن رب عائلة لا يتورع من رمي المخلفات من سيارته (وبوجود أطفاله) الذين سوف يكونون نسخا مكررة من هذا التصرف غير المسؤول، وكذلك عندما يجلس في مكان ترفيهي يترك كل النفايات في الموقع، لذا فأتمنى حث الناس على المحافظة على النظافة، فقد كان كبير المعلمين نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يذهب من أي مكان جلس فيه إلا وجعله أحسن مما كان، فلو تقيدنا بهذا الهدي الكريم فليس هناك حاجة إلى أفواج عمال النظافة، كما أن في ذلك مردودا بيئيا وصحيا كبيرا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي