البُعد الاقتصادي لشرط الاستطاعة على أداء الحج
من نافلة القول إن الحج أحد أركان الإسلام الخمسة, فرضه الله ــ سبحانه وتعالى ــ على عباده وألزمهم بأدائه مرة واحدة في العمر, ولوجوب الحج شروط، منها الاستطاعة لقول الحق ــ سبحانه وتعالى «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا».
وتتحقق الاستطاعة بالقدرة البدنية والقدرة المالية, فالراغب في أداء الحج يجب أن يكون قادرا على ذلك بدنيا, فإن كان عاجزا لشيخوخته أو مرض لا يرجى شفاؤه فلا يلزمه أن يحج بنفسه وإنما يلزمه إحجاج غيره عنه إن كان يملك القدرة المالية.
والاستطاعة المالية تعني أن يكون مالكا للزاد والراحلة, حيث روى عبد الله بن عمر ــ رضي الله عنهما ــ أن رجلا جاء إلى النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ فقال: يا رسول الله ما يوجب الحج؟ قال: الزاد والراحلة. ويجمع فقهاء الشريعة الإسلامية السمحة على أن المقصود هو ما يقدر عليه الإنسان من وسيلة لسفره ومؤونة تكفي لعيشه وإقامته في أثناء أدائه الحج ورجوعه منه.
يقول الشيخ السيد سابق ــ رحمه الله ــ في كتابه «فقه السنة» «والمعتبر في الزاد أن يملك ما يكفيه مما يصح به بدنه, ويكفي من يعوله كفاية فاضلة عن حوائجه الأصلية من ملبس ومسكن ومركب وآلة حرفة حتى يؤدي الفريضة ويعود. والمعتبر في الراحلة أن تمكنه من الذهاب والإياب سواء أكان ذلك عن طريق البر أو البحر أو الجو».
ثم تطرق الشيخ السيد سابق إلى معالجة الفقه الإسلامي لمسألة حج المدين فأوضح رأي بعض الفقهاء بأنه «وإن وجد ما يشتري به الزاد والراحلة وهو محتاج إليه لدين عليه لم يلزمه, حالا كان الدين أو مؤجلا. لأن الدين الحال على الفور, والحج على التراخي فقدم عليه والمؤجل يحل عليه فإذا صرف ما معه في الحج لم يجد ما يقضي به الدين.
وأضاف: وإن احتاج إليه لمسكن لا بد من مثله, أو خادم يحتاج إلى خدمته لم يلزمه, وإن احتاج إلى النكاح ـ وهو يخاف العنت ـ قدم النكاح, لأن الحاجة إلى ذلك على الفور, وإن احتاج إليه في بضاعة يتجر فيها ليحصل منها ما يحتاج إليه للنفقة, فقد قال أبو العباس ابن صريح: لا يلزمه الحج لأنه محتاج إليه, فهو كالمسكن والخادم» ثم أشار إلى ما جاء في كتاب «المغني» لابن قدامة حول هذه المسألة حيث ورد فيه: إن كان دين على مليء باذل له يكفيه للحج لزمه, لأنه قادر, وإن كان على معسر أو تعذر استيفاؤه عليه لم يلزمه».
صفوة ما تقدم ما يلي:
1 ـ لا يجب الحج على المعسر والمفلس.
2 ـ إن المسلم القادر ماليا على أداء الحج يجب عليه سداد ما عليه من ديون إن حل موعد استحقاقها قبل التوجه لأداء فريضة الحج, فإن كانت ديونه مؤجلة فلا يجب عليه الحج إلا إذا كانت النفقات التي سيتكبدها في سبيل أداء هذه الفريضة لن تمنعه من الوفاء بتلك الديون عند حلول موعد استحقاقها.
ولبيان أهمية البعد الاقتصادي لشرط الاستطاعة فإننا نفترض أن عدد الحجاج هذا العام بلغ ثلاثة ملايين حاج وأن 10 في المائة من هؤلاء الحجاج سددوا ما عليهم من ديون حالة قبل السفر لأداء فريضة الحج بمعدل دفع 30 ألف ريال من كل حاج مدين, فهذا يعني أن تسعة مليارات ريال عادت إلى أصحابها دون أن يتجشم الدائنون عناء اتخاذ الإجراءات القضائية وما يترتب عليها من نفقات.
لقد اقتضت المصلحة العامة للحجاج وضع تنظيم قانوني يضمن تحقق شرط الاستطاعة المالية فلا يسمح للراغبين في الحج سواء من داخل السعودية أو خارجها بأداء الحج إلا بعد التعاقد مع هيئات ومؤسسات وشركات مرخصة بمزاولة نشاط توفير خدمات السفر والتنقل والإقامة والإعاشة للحجاج, بحيث يدفع الحجاج تكاليف الحج قبل التوجه لأداء المناسك. وأشير في هذا الصدد إلى أن الفقرة (2) من المادة الثالثة من نظام خدمات حجاج الداخل ألزمت المؤسسات والشركات المرخص لها بمزاولة خدمة حجاج الداخل بأن تقدم الخدمة بأسعار تتفق مع مستوى الخدمات المقدمة من نقل ومسكن وإعاشة ورعاية. ونظرا لأن عددا كبيرا من حجاج الداخل اشتكوا خلال السنوات الماضية من ارتفاع أسعار حج شركات الداخل ووقوع عدد منهم ضحايا لحملات وهمية لم تف بالتزاماتها المعلن عنها فقد نقلت بعض الصحف المحلية بتاريخ 24/10/1430هـ الموافق 13/10/2009 أن وزارة الحج حددت أسعار شركات حجاج الداخل بحد أدنى 1900 ريال وحد أقصى 3500 ريال شاملة جميع الخدمات. ولم يتضح لي إن كان هذا التحديد من قبيل التسعير الجبري الملزم أم مجرد مؤشر للاستئناس به, وأيا كان الأمر فالمأمول أن تكون أسعار خدمات حجاج الداخل هذا العام معقولة وفي متناول الجميع.