محفزات تنمية الصناعات التحويلية في دول مجلس التعاون

احتضنت دولة قطر، برعاية أميرها صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وبتنظيم منظمة الخليج للاستشارات الصناعية، بالتعاون مع وزارة الطاقة والصناعة، والأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، واتحاد غرف التجارة في دول المجلس، وغرفة تجارة وصناعة قطر، خلال الفترة 22 إلى 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، فعاليات مؤتمر الصناعيين الثاني عشر، تحت شعار «مستقبل الصناعة في دول مجلس التعاون: 2020»، الذي من بين أهداف انعقاده، استشراف مستقبل الصناعة في دول المجلس، والدعوة إلى وضع استراتيجية صناعية خليجية شاملة، تحدد السبل الكفيلة بخلق شراكات استراتيجية بين الصناعات الخليجية، وربطها بالصناعات الدولية، بما في ذلك تحديد المعوقات التي تحد من تكامل الصناعة الخليجية، ووضع الحلول المناسبة للتعامل معها والتغلب عليها لتحقيق التكامل الصناعي الذي تنشده دول المجلس وتنشده شعوبها.
تجدر الإشارة إلى أن مؤتمر الصناعيين الثاني عشر، يعد أحد أبرز وأهم إنجازات منظمة الخليج للاستشارات الصناعية، التي تم إنشاؤها في عام 1976، لتضطلع بمسؤولية الارتقاء بأداء الصناعة الخليجية، من خلال تقديم الاستشارات لدول مجلس التعاون الخليجي والقطاع الخاص، بما في ذلك توفير الدراسات وتنظيم وعقد المؤتمرات الصناعية، التي من بينها مؤتمر الصناعيين، الذي بدأت أولى فعالياته في عام 1985 في قطر تحت شعار «السوق والمنافسة»، ومن ثم توالى عقد ذلك المؤتمر بالتناوب بين دول المجلس مرة كل عامين، بحضور ومشاركة وزراء الصناعة في دول المجلس، بهدف تدارس الفرص والتحديات، التي تواجه دول المجلس في المجال الصناعي، بما في ذلك سبل التعامل معها، وبالذات فيما يتعلق بالاستغلال الأمثل للطاقات الإنتاجية، وتفعيل دور القطاع الخاص في الصناعة الخليجية، والتعامل مع واقع وتحديات مستقبل البنية الصناعية في دول المجلس وتحديات توافر العمالة الوطنية ودورها في التنمية الصناعية.
أوراق العمل التي قدمت في مؤتمر الصناعيين الثاني عشر، أكدت جميعها أن الصناعة الخليجية، تتمتع بمستقبل واعد وزاهر، نظراً لعديد من الميزات التنافسية، التي تمتلكها، وبالذات على مستوى الصناعات الكيماوية البتروكيماوية، حيث ارتفع حجم الاستثمار الصناعي في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الـ 18 عاما الماضية إلى 150 مليار ريال، كما تضاعف عدد المصانع العاملة في المنطقة من نحو 4386 مصنعا إلى أكثر من 12 ألف مصنع، مما انعكس بشكل إيجابي على نمو الصادرات الصناعية غير النفطية خلال الفترة نفسها من نحو سبعة مليارات دولار في عام 1990 إلى نحو 83 مليار دولار 2008، كما تضاعف حجم القوى العاملة في المصانع الخليجية بأكثر من ثلاث مرات، ليصل إلى أكثر من 900 ألف عامل.
رغم التطور الكبير الذي شهدته الصناعة الخليجية خلال العقدين الماضيين، إلا أن الصناعات التحويلية أو النهائية Down Stream Industries، لم تتجاوز قيمتها من إجمالي قيمة الصناعة الخليجية نسبة 59 في المائة، حيث بلغت قيمتها في نهاية عام 2008 نحو 88 مليار دولار، وتبعاً لذلك فإنه لا تزال هناك فرصة كبيرة لنمو الصناعات التحويلية، ولا سيما حين النظر إلى القيمة المضافة، التي تتحقق من هذا النوع من الصناعات للاقتصاد، والتي تقدر بأكثر من الضعفين، مقارنة بتصدير الصناعات الكيماوية البتروكيماوية على هيئة مواد خام أولية، حيث إن عائدات القيمة المضافة للاقتصاد ترتفع بارتفاع عدد أو مراحل التصنيع حتى الوصول إلى المنتج النهائي.
هناك فوائد ومزايا اقتصادية أخرى عديدة لنمو الصناعات التحويلية إلى جانب ما تحققه من عائدات إضافية للاقتصاد، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، الاستغلال الأمثل للطاقة الإنتاجية والتشغيلية للمصانع، إضافة إلى تفعيل مساهمة المصانع الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي، لكون الصناعات التحويلية تعد صناعات سلسلية، تعتمد في إنتاجها في معظم الأحيان على عدد كبير من المصانع ومدخلات الإنتاج، الأمر الذي بدوره يساعد على خلق وظائف جديدة في الاقتصاد.
إن تطوير القدرات الصناعية لدول مجلس التعاون الخليجي، وعلى وجه الخصوص الصناعات التحويلية، سيسهم بشكل كبير في تنويع مصادر الدخل القومي لدول المجلس، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل، الذي لا يزال هو المهيمن على مكونات الناتج المحلي الإجمالي في دول المجلس، بنسبة تصل إلى نحو 38 في المائة في المتوسط.
بطبيعة الحال إن التوجه نحو توسيع مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي لدول مجلس التعاون، وبالذات بالنسبة للصناعات التحويلية، يتطلب التعامل مع عديد من المعوقات والتحديات، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، ضرورة تحسين البنية التحتية الإقليمية، والذي بدوره سيتطلب ضخ استثمارات كبيرة خلال المرحلة المقبلة لتحسين شبكة النقل الخليجية وربط جميع دول المجلس بمنافذ بحرية وبرية وحديدية تربط فيما بينها وبين الأسواق الواعدة في الدول العربية وبالعالم الخارجي، ومن بين التحديات كذلك، الحاجة الملحة لبناء كوادر بشرية خليجية مؤهلة تأهيلا فنيا وتقنيا للتعامل مع متطلبات واحتياجات المصانع الخليجية، وخاصة أن العمالة الأجنبية لا تزال تمثل النسبة العظمى من إجمالي العمالة التي توظفها المصانع الخليجية ما بين 80 إلى 90 في المائة، أخيرا وليس آخرا من بين التحديات كذلك، ضرورة الارتقاء بأداء المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة، التي ـ كما هو معروف ـ تشكل النسبة العظمي من تشكيلة وتركيبة المصانع في المنطقة، والذي بدوره يتطلب إقامة الحاضنات الصناعية، التي تشجع على نقل المعرفة بين المصانع بصرف النظر عن نوع الصناعة أو تصنيف المصنع، كما أن لمراكز الأبحاث والجامعات دورا مهما في تطوير وتحسين وسائل وأدوات وأساليب الإنتاج.
خلاصة القول، أن قطاع الصناعة يمثل في المستقبل، بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، خيارا استراتيجيا لتنويع مصادر الدخل القومي، والمساهمة في التقليل من الاعتماد على النفط كمصدر وحيد رئيس للدخل، ولا سيما أن مجال التوسع في الصناعة لا يزال كبيرا جداً، وفرص النمو لا تزال متاحة بشكل كبير، وخاصة أن مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الخليجي الإجمالي لا يزال متواضعاً في حدود 10 في المائة.
إن تعزيز مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الخليجي، وبالذات في الصناعات التحويلية أو النهائية، يتطلب التغلب على عديد من التحديات، التي يأتي في مقدمتها وعلى رأسها، تأهيل الكوادر الوطنية الخليجية فنياً وتقنياً، والنهوض بمستوى أداء المنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة، الأمر الذي سيعود بالنفع على الاقتصاد الخليجي وعلى شعوب المنطقة على حد سواء، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي