ندى سلطان .. وشارع إيران!!
لا أدري ما حكاية وقصة وغرام اليمنيين مع تغيير أسماء الشوارع والساحات، ففي بومباي شارع يدعى تيجان وهو اسم لقائد بحرية بريطاني مشهور توفي في بومباي وكان يسكن هذا الشارع وكانت السفارة البريطانية وملحقيتها تحرص على المساعدة في صيانته والمشاركة في تنظيمه وجعله من أجمل شوارع بومباي وأكثرها تعبيرا عن السلع الرأسمالية والثقافة الغربية ففيه سلسلة من المطاعم المشهورة، لكن فارس الشاب اليمني العاشق الذي عرفه أهل بومباي والذي ما جاء يماني إلى بومباي إلا وزار فارس الذي كان يسكن في إحدى عماراته العالية، ليكتشف الناس مع الوقت أن فارس هو العلامة المميزة للجميع، فارس هو الشارع والشارع هو فارس، كلهم هنود إلا «فارس»، ما جاء عربي وخليجي أو يمني إلا وسأل عن «فارس»، ما جاء تاجر أو سائح إلا وسأل عن فارس، حتى صبايا وغواني بومباي يعرفن فارس، فأطلق سائقو التاكسي والريكشا على الشارع اسم «فارس رود»، وراح تيجان البريطاني بين الرجلين كما يقال.
وفي وارسو عاصمة بولندا وقبل مجيء ليخ فاونسا كان ثمة حضور كثيف لطلاب اليمن وفي المائة جامعة البولندية، وإن قابلت يمانيا وسألته من أي يمن قال من اليمن الشيوعي، حيث كان تلاميذ عبد الفتاح إسماعيل يقرضون الشيوعية ويرضعونها من النبع، كان هناك ألفا طالب يماني لكن أغلبيتهم يذهبون إلى وارسو وفي وارسو كانت هناك ساحة منصوب فيها تمثال لمفكر بولندي، وهذه الساحة كبيرة جدا، جعلتها البلدية أشبه ما تكون بحديقة عامة، وكانت الشوارع حولها غير عادية، بل مرصوفة رصفا، ومرور السيارات فيها قليل، وضع داخلها أكواخ، ومقاعد وفيها مطعم صغير وكان الشباب البولندي يتخذونها مكانا للترويح والتغيير ويتخذها الشباب العربي ساحة للسجال والمناظرات الفكرية، وكان يسيطر شاب يمني على المقعد الدائم أسفل التمثال فسميت الساحة ساحة اليمن وسمي التمثال باسم عبد الفتاح مهيوب أما المفكر لم يبق له ذكر، حتى أن البولنديين أنفسهم أطلقوا عليها ساحة اليمن وبعضهم يقول عن التمثال تمثال مهيوب.
عندما أطلقت طهران على أحد شوارعها اسم خالد الاسلامبولي قاتل السادات كانت تعترف في تلك الفترة أن بينها والقاهرة صراعاً سياسياً مبطناً على النفوذ في المنطقة، لم تجد طهران بدًّا من المشاغبة عليه أكثر من مرة، فهي تدرك أن مكانة وقوة مصر وأمنها القومي مرتبطة بأمن الخليج وبالتالي فإن القاهرة هي من يحادد إيران وليس دول الخليج العربية فقط.
وتدرك طهران حسب اعترافات مثقفيها أن مصر والشخصية المصرية قابلة للادلجة الدينية وتغيير المرجعية، وهو ما أكده الدكتور يوسف القرضاوي عندما قال إن مصر تفتقد المرجعية الدينية رغم وجود الأزهر، في إشارة إلى أن الصراع مع إيران يفتقد جانباً معنوياً وعقدياً وهو موجود في الخليج بقوة وهو من يقف كحاجز قاهر للنفوذ الإيراني.
لهذه الأسباب كان التركيز الديني الإيراني على القاهرة كبيراً، لدرجة أن هناك تشيعاً واسعاً في صفوف المصريين وبعض المثقفين وهناك تشيع سياسي، ودور نشر وأحزاب، وصحف تمول من إيران، لكن عقل الدولة المصرية والشخصية المصرية كان عربياعلى الدوام، ويستشعر مخاطر الأمن القومي ويتفاعل معها بسرعة عاجلة. اللافت للانتباه، أن اليمنيين في لحظة معينة منحوا طهران حضورا واسعا في شأنهم الداخلي، وبات السفير الإيراني يتصرف وكأنه من أهل البيت، ولكن المشروع الإيراني مختلف في اليمن عما هو عليه في مصر لوجود أرضية يمكن استثمارها والتعويل عليها وكما هو حال إيران في العراق ولبنان.
هذا الحضور نجم عنه افتتاح الرئيس الإيراني محمد خاتمي شارعاً في صنعاء ليصبح شارع إيران، وليصبح هذا الشارع يعج بالبضاعة الإيرانية، وبالإيرانيات، ولتصبح لدى اليمنيين ثقافة جديدة ومن قرب، وإن أرادوا الإيغال كثيرا كانت أصفهان وتبريز قبلتهم السياحية والعلاجية، وبعض منهم رأى فيها القبلة الدينية. بالأمس القريب اكتشف اليمنيون أن ملايين طهران كانت تذهب للحوثيين لشق وحدتهم الوطنية، للتأسيس لإمارة جديدة، وجنوب وضاحية جديدة، وليكتشف اليمنيون أن شارع إيران كان ترغيبا وتعريفا بها، وأن بنات طهران كن يبعن السلع ويشترين المعلومات ويجندن الشباب المؤمن للذهاب إلى قم.
غضب اليمنيون وكان لغضبهم صورة أخرى عبرت عن نقمتهم وإحساسهم أن إيران كانت تستغلهم لغايات سياسية بعيدة، فانتفضوا وغيروا اسم شارع إيران، ليصبح شارع ندى سلطان، تلك الفتاة العشرينية الإيرانية التي ماتت برصاص الباسيج عندما خرجت تنادي بالحرية، لم تقذف حجرا ولم تحمل خنجرا أو جنبية، ولا سلاحا للدمار الشامل بل تعترض بالموسيقى.
ندى كانت فتاة عادية غير معروفة من قبل الإيرانيين ولو لم يتم قتلها لما أصبحت عنوانا للحرية، وعنوانا للقمع والكبت، لكن القناصة قتلوها وهي بجوار والدها، والقاتل استهدف قلبها كما يروي ذلك الطبيب الذي حاول عبثا انقاذها ساعة وقوع الحادثة، غير أن ندى أصبحت عنوانا في «الفيس بوك» وعلى صفحات المجلات والجرائد وحديث المعارضة والناس وأصبحت ظاهرة إيرانية بامتياز.
الاختلاف أن اليمنيين قرروا هذه المرة إعادة النظر بعلاقتهم مع إيران بعد أن تحمسوا ذات فترة لثورتها الإسلامية، اليمنيون تنبهوا للمخطط الإيراني الكبير وأرادوا أن يكونوا جيشا إلى جانب الجيش أن يتحصنوا ويزدادوا مناعة من الخطر الإيراني الداهم، لذا كانت ندى سلطان رسالتهم إلى طهران وأجندتها ورسالة للشباب المؤمن الذي مر على طهران وأصفهان وختمها بقم!!