المواجهة الدبلوماسية لتعنت إسرائيل
لا أظن أنه بقي عند العرب أي أمل في سلام أو حتى عملية سلام تجمع بينهم وبين إسرائيل، كما أنه أصبح جلياً أن إسرائيل قد توحشت واستعلت علي اللوم والمحاسبة بسبب المساندة العمياء من واشنطن. وعندما كان الفكر السياسي العربي يضع واشنطن قبل إسرائيل في معاداة العرب، كان البعض ينبري لدحض هذه المقولة وبلغ هذا البعض حداً من ''العقلانية'' عندما حاول التمييز بين أمور لا يمكن التمييز بينها. وكنا نعجب مما شاع في الفكر السياسي العربي أن إسرائيل خنجر في قلب العرب لأن إسرائيل التي جاءت بمشروع متكامل بالتعاون مع الغرب لم تكن قد بلغت هذه المرحلة من الوضوح. وهانحن نري نتنياهو يتحرك بحرية كاملة ويؤكد أن إسرائيل تدافع عن نفسها عندما ترتكب الجرائم، كما أنها تدافع عن نفسها عندما تسعى إلى تدمير الأوطان العربية وتمزيقها لأنها بيئة معادية ولأن إسرائيل تريد أن تعيش باطمئنان وسط الخرائب العربية، وأن إسرائيل تدافع عن نفسها وهي تتسلح بكل أنواع الأسلحة كما أنها تدافع عن نفسها عندما تفرض علي الفلسطينيين أن يعترفوا بكل ذلك، وأن يسلموا ما بقي من بلادهم لإسرائيل، كما أن الدفاع عن النفس في إسرائيل يتطلب أن يعلن نتنياهو تدريجياً خطط الاستيطان، بل إن نتنياهو قد حذر الفلسطينيين من إعلان دولة فلسطينية سبق إعلانها في المنفى، ويرى نتنياهو أن هذا الإعلان في الجزائر عام 1988 قد انقضى باعتراف ياسر عرفات بإسرائيل اعترافاً علي بياض ليشمل عندهم أن تكون فلسطين كلها دولة يهودية، ولذلك يؤكد نتنياهو استغرابه للمطالبة الفلسطينية بدولة فلسطينية حقيقية ويهدد بأن هذا التهور الفلسطيني سيلقى تهوراً إسرائيلياً. والطريف أن واشنطن وباريس تساندان إسرائيل صراحة حيث أكدت واشنطن يوم 17/11/2009 أن الطريق الوحيد لإقامة الدولة الفلسطينية هو التفاوض مع إسرائيل رغم علمهم بأن التفاوض مع إسرائيل ليس له إلا موضوع واحد وهو تسليم فلسطين وأن الدولة الموهومة هي مشروع لدولة مؤقتة يتم التفاوض حولها حتى يأتي الوقت الذي تكون إسرائيل قد ضمت فيه الأراضي الفلسطينية.
في مواجهة هذا الموقف الواضح، لم يعد أمام العرب إلا خياران:
الأول: هو إعادة القضية إلى نقطة البداية بعد أن أعادتها إسرائيل إلى ما قبل البداية وهذا يتطلب وضع ترتيبات لدعم المقاومة العربية في كل الأراضي الفلسطينية وتعزيزها مالياً ومعنوياً وحمايتها سياسياً ودبلوماسياً.
أما الطريق الثاني: فهو أن يتخذ العرب قراراً شجاعاً هو في كل الأحوال أقل تكلفة من القرار الأول بل إنه لا يكلف شيئاً دفاعاً عما تبقى من الحق العربي والكرامة العربية وهو المواجهة الدبلوماسية والجنائية لإسرائيل.
ولعله من قبيل اللغو الزعم بأن التعقب الجنائي لإسرائيل يعرقل طريق السلام ، كما أن المواجهة الدبلوماسية لإسرائيل في نظر واشنطن إعلان عن التخلي عن ''عملية السلام''. وفي هذا المقام، فإن المواجهة الدبلوماسية والجنائية والتخلي تماماً عن الوهم هو الكفيل بردع إسرائيل وإشعارها بأن ثمن الاستمرار في مشروعها بعد هذه النقطة لا تستطيع تحمله، وبعد أن يتخذ العرب القرار فإن خطة التحرك الدبلوماسي جاهزة، المهم أن نتخذ القرار.