الإعفاءات الضريبية دعم لمكاتب المحاسبة والمراجعة المحلية - 1
بداية أتمنى أنني فهمت وبشكل جيد الخبر الذي نشرته “الاقتصادية” قبل عدة أيام ومفاده أن وزارة المالية قد حددت ضوابط منح المستثمرين حوافز ضريبية (على شكل إعفاءات لمدة عشرة أعوام) وذلك في ست مناطق من مناطق المملكة وهي (حائل – الحدود الشمالية – جازان – نجران – الباحة – والجوف)، وقد اشترطت الوزارة توافر سبعة ضوابط منها وألا يقل رأس المال المدفوع للمشروع سواء نقدا أو عينا عن مليون ريال ويمسك المشروع حسابات نظامية مدققة من محاسب قانوني محلي مرخص له. وهنا مربط الفرس في هذا المقال، “أن تكون للمشروع حسابات نظامية مدققة من محاسب قانوني محلي”. أتمنى أنني فهمت كلمة “محلي” بشكل جيد. فمن المحاسب القانوني المحلي وكيف نحدده؟ هل يعني المكتب المملوك بالكامل لمحاسب قانوني سعودي؟ هذا سيخرج مكاتب كثيرة تعمل في المملكة لوجود شركاء أجانب - سواء عرب أم غير ذلك. أضف إلى هذا أن من يعمل في سوق المراجعة يعلم حدة المنافسة التي تعانيها هذه السوق وخاصة من الأربعة الشركات الكبار Big4 والتي تستحوذ على نصيب الأسد سواء في خدمات المراجعة أو في الخدمات الاستشارية، هذه الشركات مكونة من شركاء سعوديين وآخرين فهل يستبعد القرار بالإعفاء الضريبي أي شركة تقوم بتعيين أحد هذه المكاتب؟ أم أن المقصود “بالمحلي” كل مكتب يعمل في المملكة سواء كان مختلطا أم لا؟ تلك قضية تحتاج إلى تفصيل نظرا لتأثيراتها المهمة جدا في السوق المراجعة في المملكة.
كما قلت فإن سوق المراجعة في المملكة تخضع لسيطرة المكاتب الأربعة الكبار،- الحقيقية أنه ليست المملكة فقط بل كل دول العالم تقريبا. ورغم أن المملكة كانت سباقة في إقرار تغيير المراجعة كل ثلاثة سنوات إلا أن هذا القرار لم يزل مطبقا شكليا هذا من ناحية، ومن جانب آخر فإن الشركات المساهمة فقط هي الخاضعة لهذا الإجراء دون غيرها بينما لدينا في المملكة أكثر من 50 ألف شركة كلها تقريبا تحتاج إلى مراجع قانوني وخاصة إذا كانت تمسك دفاتر محاسبية نظامية. ورغم ذلك فإن سيطرة المكاتب الكبار على حصة مؤثرة جدا من دخل هذه المهنة واضحة لكل من “تورط” وفتح مكتبا للمراجعة. وعندما أقول “تورط” فلست بذلك أشجع على الخروج من المهنة أو أنني أحذر من الدخول فيها بل أقرع الجرس فقط نظرا لما تعانيه هذه السوق من مشكلات وللحاجة الماسة إلى حلول ناجعة لها. فدعم التنافسية في هذه المهنة ضرورة اقتصادية ملحة جدا لأن ضعفها أو شدتها على النقيض سيؤديان إلى اختلال خطير في استقلال المراجع القانوني وهذه القضية بدورها – فقدان استقلال المراجع - إن هي ظهرت ستثير الشك في عدالة القوائم المالية على ما تعانيه أصلا وبالتالي سلامة واستقرار ومتانة السوق المالية بشكل عام. ولا أريد التورط في الإسهاب حول الأهمية الاقتصادية للمهنة المراجعة فيكفي الأزمة المالية كدلالة واضحة على خطورة الأمر. فتعرض استقلال المراجع للخطر – بسبب المنافسة الحادة جدا – سيجعله أكثر مرونة في تقبل المخالفات, وأقل جرأة في التصريح بها مما يعطي الإدارة فرصة للتلاعب بالقوائم المالية وتضليل الأسواق. فتخفيف حدة المنافسة – مع ضرورة الإبقاء عليها عند مستوى المنافسة على الجودة – سيعزز من قدرات المراجعين ويعزز بالتالي من عدالة المعلومات التي تصل إلى السوق ويحد من السلوك الانتهازي للإدارة.
القرار الذي صدر عن الإعفاءات الضريبية يسير في الاتجاه نفسه ويعزز من قدرات سوق المراجعة والمنافسة فيها وهي خطوة ستكون محل شكر وتقدير لكل العاملين في هذا القطاع بلا شك ولكن لابد من تحديد معنى المحلي في هذا القرار. شخصيا أتمنى أن يقصد بها المكاتب التي تكون مملوكة بالكامل لمحاسب قانوني سعودي مرخص له أو لشركاء سعوديين فقط. لأن مجموع المكاتب العاملة في المملكة تصل إلى ما يقارب 150 مكتبا وتجاهد هيئة المحاسبين القانونيين – ودائما وحيدة في الميدان – لتتأكد من مستويات الجودة ومن أن جميع هذه المكاتب تعمل تحت ممارسة مباشرة من المحاسب المرخص له فعلا وليست مجرد تصريح للإيجار. ومع ذلك فإن أعداد هذه المكاتب مقارنة بحجم الاقتصاد السعودي لا تكاد تغني ولا تسمن من جوع. الغريب أنك إذا استطلعت الأمر من جانب آخر وجدت الاقتصاد يعمل بهدوء وهناك ثقة مفرطة بالقوائم المالية وكأن جميع المراجعين الممارسين يقومون بمهام المراجعة على وجهها الكامل وهذا لا يستقيم منطقيا فعدد هذه المكاتب لا يكفي لمراجعة الشركات المساهمة فقط (بنوعيها) فكيف إذا أضفت الشركات ذات المسؤولية المحدودة وشركات التضامن والمؤسسات العامة وبعض الشركات العائلية والفردية الكبيرة ثم أضفت ما صدر قريبا من قرارات حول تصفية المساهمات العقارية وما يمكن عمله حول خدمات الإقرارات الضريبية والزكوية. إذا استعرضت كل ذلك فإنك تسأل كيف تكفي 150 مكتبا للمراجعة والمحاسبة في سد تلك الفجوة الضخمة؟ لكن المدهش وإذا رغبت قل المضحك أن دخل هذه المهنة بالكاد يسد رمق الموجودين حاليا فكيف نطالب بالمزيد. القضية معقدة ككرة من الخيوط المتشابكة معا. منطق الأمر – اقتصاديا – يقول السوق في حاجة إلى المزيد. وبالنظر للدخل الفعلي فلا مكان لداخلين جدد كيف يستقيم الأمر؟ لا أعرف كيف تتناقص أتعاب المهنة بالرغم من كل هذه المصادر المتنوعة للدخل والحاجة للمراجعين. من خلال بعض الدراسات التي قمت ببعضها شخصيا هناك سيطرة خطيرة للمكاتب الأربعة الكبار – لذلك سميت كبارا. وأعتقد أن هذه المكاتب هي التي صنعت كرة الخيوط المتشابكة في السوق السعودية وتعترض أمام حلها. من هنا أقول إن قرار الإعفاء الضريبي سيكون مناسبا فقط – وفقط - إذا تم منع هذه المكاتب من المنافسة في هذا الجانب وقصر الأمر على المكاتب السعودية بالكامل لينسجم القرار تماما في معنى “محاسب قانوني محلي” ويعزز من قدرات السوق التنافسية.