خادم الحرمين.. الريادة والقيادة العالمية
اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ضمن العشرة القياديين المؤثرين في المستوى العالمي، لم يأت مصادقة، وإنما جاء لوجود مواصفات وخصائص قيادية وإدارية وسياسية واضحة، ومواقف عملية اتسمت بالحلم والحكمة، والقدرة على الإنجاز والبناء والتعاون، وتجديد الدماء، والانفتاح الواعي والمدروس على العالم، وإزالة العوائق أمام الإبداع والإنتاج.
هناك مدرسة في التحليل السياسي تشير إلى أنه على الرغم من أهمية العوامل الموضوعية في الإدارة والقيادة والمؤسسة، إلا أن هناك دوراً كارزمياً تأثيريا للأفراد يمتلكه البعض ولا يمكن تفسيره أو استيراده من الخارج، فهو في صميم الشخصية، وصاحب هذه المدرسة التحليلية هو غوستاف لوبون وكتابه «سيكلوجيا الجماهير» من أفضل الكتب في هذا المجال، لدرجة أن جامعات ومراكز بحث ودراسات كثيرة درست وقارنت بين الخصائص النفسية لرجل الدولة وصناعة واتخاذ القرار السياسي انطلاقا من وجود لمسات خاصة أو إضافية على القرار تطبع شخصية هذا القيادي أو الإداري.
ما نقصد قوله إن الكارزما التي نتحدث عنها تعنى بالبناء العقلاني، بالقيمة الإنسانية، بعزل الشخصي والمزاج والمواقف الفردية، عن القيادي وعن القرارات التي تهم مجتمعا ودولة ومستقبلا، ويحضرنا هنا ما ورد على لسان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لرئيس هيئة الهلال الأحمر الأمير فيصل بن عبد الله «أنت في المنزل ابني وفي الهيئة مجرد موظف في دولة.. فلا تخلط بين الأمرين» فهذا المنطق الإداري والقيادي هو فلسفة قائمة بذاتها تؤكد أهمية عزل الأمور الشخصية عن الجوانب القيادية، وعزل الخاص وموجباته وأحواله عن العام، وقد رأينا خلال الـ 20 عاما الماضية كيف تداخل الخاص والعام في الإدارة والقيادة في عالمنا العربي.
وبالتالي فإن اختيار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ضمن قائمة الشخصيات الأكثر نفوذا في العالم، يجعلنا ننظر إلى المواصفة القيادية للشخصيات التي اختيرت حيث نجد أنها تشترك في قيم الحكمة والعقلانية والرؤية الاستراتيجية البعيدة، والإنجاز، والتعاون المثمر، والحضور النوعي، والكارزما التأثيرية.
ولتحليل شخصيات مثل رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، نجد أنه شخصية تمتلك بعدا قياديا مهما، فبوتين هو الشخصية الروسية الوحيدة التي كانت على اطلاع مسبق على انهيار الاتحاد السوفيتي، وهو الشخصية الأمنية المنفتحة والعقلانية التي قرأت مشهد التغيير العالمي، ولم ترفضه بل تعاملت معه بعقلانية، وهو من أبرز الشخصيات مساهمة في إعادة بناء قوة وحضور ونفوذ ودور روسيا الجديد، وهو رئيس الجمهورية الذي قبل أن يصبح رئيسا للوزراء كي يمضي في تحقيق أهداف الدولة الروسية، وهو الشخصية الدينامية في التعامل مع الغرب والعالم الإسلامي، وبالتالي كان بوتين حاضرا في المشهد العالمي كقيادي له قدرات ومزايا وكارزما خاصة في روسيا.
ولو طالعنا بدقة تفصيلية وتحليلية لقائمة الشخصيات الأخرى لاكتشفنا أنها تمتاز بالعمل والإنجاز والمعرفة، وبالتالي فإن اختيار خادم الحرمين الشريفين ضمن العشرة الأوائل في التأثير والحضور العالمي، لم يأت من فراغ، ففي عهده قطعت المملكة شوطا كبيرا من البناء والتغيير الداخلي، والتعاون الدولي، والمساهمة والفاعلية الحقيقية في الاقتصاد والسياسة العالمية. وقد انعكس ذلك النشاط على ترتيب الأوضاع الداخلية، ومنح القوى الحية والناعمة السعودية دورا كبيرا في مفاصل الدولة الحيوية والرئيسة، كما أنه يتبع سياسة إصلاحية واثقة وهادئة، تهدف إلى نقل المجتمع السعودي، وجعله في مصاف الأمم والشعوب ذات الوزن والفاعلية عالميا، وهذا بالطبع لا يكون إلا بعد تنمية حقيقية للموارد البشرية وحسن توظيفها، وهذا ما يؤكده منهج وسياسة الابتعاث الخارجي، التي تشكل برمتها خططا طموحة لبناء وإعمار الأرض والإنسان.
إذاً شخصيات مثل الرئيس الأمريكي أوباما والرئيس الصيني هو جين تاو، ليست شخصيات عادية بل تتسم بعبقرية خاصة، فالرئيس أوباما أعاد أمريكا إلى رشدها بعد فترة رئاسية تمت فيها عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية، وها هي الصين باتت عملاقا وتنينا كبيرا بعد أن عاشت مرحلة من التخلف السياسي والاقتصادي الأيديولوجي، وعندما هيئ لها قيادات خرجت عن التنميط وتعاملت بمرونة مع السياسة العالمية، وأدركت أن القوة الحقيقية تأتي من الاستثمار في البناء الداخلي، نجحت وأصبحت منافسة عالمية، ما جعل أمريكا والرئيس أوباما يخطبون ودها ويحدثون تغييرا كبيرا في سياستهم حيال بكين لدرجة البحث عن التعاون والتفاهم والتوافق، وهذا ما تحدث به أخيرا الرئيس أوباما لدى زيارته بكين.
وعلى مستوى المؤسسات فإن النجاح في الإدارة والإنجاز والتقدم كانا عنوانا حقيقيا لكل الشخصيات التي تم اختيارها مثل مؤسسي شركة جوجل سيرجي برين ولاري بيدج، كارلوس سليم الرئيس التنفيذي لشركة تلمكس المكسيكية للاتصالات، روبرت مردوخ رئيس مجلس إدارة مجموعة نيوز كورب الإعلامية، مايكل تي. ديوك الرئيس التنفيذي لمتاجر «وول مارت» للتجزئة، بيل جيتس الرئيس المشارك لمؤسسة بيل وميلندا جيتس.
فكم هي المؤسسات والشخصيات السعودية الناجحة في قطاعات مختلفة، بنوك واستثمارات ومؤسسات وصروح اقتصادية وعلمية وخبرية، في قدرتها على الخروج من النمطية إلى الفاعلية العالمية، لدرجة المنافسة أو الشراكة، وكل ذلك لم يكن لولا رؤية قيادية وغطاء معنوي واعتباري منحهم الحضور والقوة والمكانة.
وعليه، علينا أن نفرح للمواصفة القيادية، لشخص خادم الحرمين الشريفين، لرؤيته ومنهجه القيادي، في إقليم ومنطقة حبلى بالصراعات والنزاعات والأخطاء الاستراتيجية، إلا أن الحكمة والعقلانية للملك بددت ظلمة القرار السياسي، فلو نظرنا إلى العراق وإيران كنموذجين عربي وإسلامي، ولهما إمكاناتهما النفطية ولديهما موارد بشرية هائلة، لاكتشفنا أن الأخطاء والحماقة في القرار السياسي كانت سببا في الحروب واستنزاف الثروات وهدرها على التسلح التقليدي والنووي، لنر النزوح والتشرد ليس لمواطنين عاديين بل لنخب وخبراء وعلماء غادروا بلادهم وباتوا يبحثون عن لقمة العيش والأمل في الاستقرار، كيف استفادت الدول من إمكاناتهم وخبراتهم، بينما كانت بلادهم أولى بهم، لنر كيف تستثمر الدول في أسلحة الدمار الشامل، بينما الاستثمار الحقيقي يكون في بناء القاعدة المعرفية والعلمية والتقنية وفي الاقتصاد والإنتاج وهذا بالطبع يحتاج إلى مواصفات قيادية تتسم بالعقلانية والواقعية.
لو جلنا النظر في كثير من القضايا السياسية العربية وتوقفنا عندها لاكتشفنا أن العقل السياسي الموضوعي والمنطقي مهم جدا لتحقيق الأمن والاستقرار على اختلافه، وقد اطلعنا على كثير من المغامرات الفجة هنا وهناك كيف كان لها آثار سلبية في الدول والحكومات والمؤسسات،كيف عطلت الحراك التنموي الحقيقي، كيف صرفت كما هائلا من الأموال كان الأجدى والأحرى بها أن تذهب إلى التعليم والصحة والبنى التحتية والخدمية.
القيادة والريادة ليست عملية سهلة، وهي لدى خادم الحرمين الشريفين ليست كما رغب البعض جعلها حالة أسطورية خارقة للعادة، لم يسبغ عليها خادم الحرمين هالة قدسية، بل على العكس من ذلك فقد فاجأنا أكثر من مرة حديثه عن محاسبة نفسه قبل الآخرين، واعتذاره أحيانا، وطلبه النصيحة والمشورة علنا دون رياء أو مداهنة.
يذكر الأمير فيصل بن عبد الله « كنت أتحدث مع خادم الحرمين الشريفين عن مسائل تخص هيئة الهلال الأحمر السعودي وكان يطلب مني أن أكتب له على ورق رسمي، ليكون كل شيء حسب النظام»، الالتزام بالقانون والنظام وبهذه التفصيلات الصغيرة يعكس قيمة كبيرة في الإدارة وفي الرؤية العامة لتمنيات وتطلعات قائد بمواصفات خادم الحرمين الشريفين،ولا نستغرب ذلك أبدا، حيث نكتشف يوميا حالة الود والولاء الكبيرة بين القيادة والشعب، ونستذكر هنا مواقف الشهامة والكرامة الخاصة بالملك عندما منع ظاهرة تقبيل الأيادي من باب أخلاقي وشرعي، وعندما فتح الأبواب أمام الخبراء والتكنوقراط من أبناء المملكة في الإدارات العليا، وعندما قرب العديد منهم من مؤسسة صنع القرار وجعلهم مساهمين ومشاركين في صنع مستقبل بلادهم.
خلق وإنتاج وإنجاب النخب بمواصفات عالمية،وحسن توظيفها واستثمارها يعد من الأبواب الرئيسة والمهمة في أي دولة، خاصة أن هذه النخب متخصصة في مجالات مختلفة علمية ومعرفية وسياسية واقتصادية وإدارية وأمنية، فالدول الحية تبنى على أكتاف هذه القوى وهم مادتها الحيوية وبالتالي وأمام جرد انطباعي للعديد من الممارسات الملكية يجعلنا نفخر بخادم الحرمين والقيادة السعودية كاملة التي جعلت بناء القدرات والموارد واستثمارها وتوظيفها ورعايتها والاعتناء بها مدرسة حقيقية في الإدارة والقيادة، ولذلك فهي مرشحة دائما لتكون في قائمة النفوذ والحضور والتأثير العالمي.