المشكلة ليست في الاحتياطيات ولكن في انخفاض الطلب على النفط

لا يمكن تفسير العداء للنفط بناء على أسس علمية، لذلك يمكن القول إن أسباب العداء تعود إلى مزيج من الجهل والحقد، الذي تم إضفاء صبغة علمية - إنسانية عليه. فبعض الجمهوريين يربطون بين النفط والإرهاب، ويرون أن محاربة الإرهاب تقتضي وقف الاعتماد على النفط، ولكنهم لا يستطيعون تفسير كل الأحداث الإرهابية التي لا علاقة لها بالنفط مثل هجمات الثوار البورتوريكيين على عدة أهداف أمريكية في السبعينيات، أو هجمات الجيش الجمهوري الإيرلندي على أهداف بريطانية، أو هجمات الباسك على أهداف إسبانية. وقبل ذلك، يتناسون أنه قبل اكتشاف النفط في الشرق الأوسط، كانت الولايات المتحدة أكبر منتج وأكبر مصدر للنفط في العالم. وحتى اليوم، ما زالت الولايات المتحدة ثالث أكبر منتج للنفط في العالم، بعد روسيا والسعودية.
ويربط الديمقراطيون بين النفط والاحتباس الحراري، ويتناسون أن الفحم أكثر تلويثا للبيئة، وأن 40 في المائة من الكهرباء تأتي من الفحم، بينما لا يأتي إلا 3 في المائة منها من النفط. ولا يجرؤ عديد من الديمقراطيين على معاداة الفحم بسبب عدد العمال الكبير الذي يعمل في صناعة الفحم الأمريكية، بينما يعادون النفط لأن نسبة العمال لرأس المال في الصناعة منخفضة جدا. مثلاً مشروع نفطي قيمته 50 مليون دولار يوظف نحو عشرة أشخاص فقط، بينما يوظف منجم فحم بالقيمة نفسها أكثر من ألف عامل.
والحقيقة أن شركات النفط والدول النفطية ليسوا ضد البيئة, كما يدعي البعض، فالكل يريد أن يعيش في كوكب نظيف، والكل يريد أن يستنشق أولاده هواء نقياً، ولكنهم ضد السياسات الحكومية الجائرة التي تريد أن تفرض حلولا بيئية معينة بتكاليف هائلة، ولا تدعمها قوى السوق بأي شكل من الأشكال. إضافة إلى ذلك فإن هناك جدلا علميا كبيرا حول جدوى أكبر هذه الحلول.
ويتناسى كل هؤلاء أن مشكلات الطاقة في الولايات المتحدة لا علاقة لها بالدول العربية على الإطلاق, فمشكلات الكهرباء في كاليفورنيا وفي منطقة الغرب الأوسط التي حدثت منذ عدة سنوات هي مشكلات داخلية، خاصة أن «أوبك» لا تصدر الكهرباء إلى الولايات المتحدة. أما العجز في الغاز ثم ارتفاع أسعاره بين عامي 2006 و2008 فإنه يعود إلى السياسات الأمريكية التي شجعت على استخدام الغاز، وخفضت إنتاجه في الوقت نفسه، و«أوبك» لم تكن تصدر الغاز إلى الولايات المتحدة في ذلك الوقت (حاليا تقوم قطر بإرسال بعض شحنات من الغاز المسال). ويعود النقص في إمدادات النفط وارتفاع أسعاره عام 2005 إلى إعصاري كاترينا وريتا، وكما يعرف الجميع، فإنه لا علاقة لدول «أوبك» بذلك. وأسهم انخفاض الدولار بطرق عديدة في رفع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، و»أوبك» لاعلاقة لها بسياسة الولايات المتحدة النقدية والمالية.
أما ارتفاع أسعار البنزين في بعض الفترات فإن سببه الرئيس هو القوانين البيئية الأمريكية التي تضمنت إلغاء مادة «إم تي بي إي» وإجبار الشركات على مزج الإيثانول بالبنزين، و«أوبك» لا علاقة لها بذلك, لذلك فإنه من الصعب الوصول إلى أسباب علمية توضح سبب العداء للنفط سوى كون النفط في بلاد معينة.

استقلال الطاقة ضرب من الخيال
رغم أن ما سبق يوضح أنه ليس هناك سبب مباشر لمعاداة النفط بهذا الشكل، إلا أنه من المؤكد أن فكر استقلال الطاقة، بمعنى الاعتماد الكامل على مصادر طاقة داخلية، ضرب من الخيال، خاصة في الولايات المتحدة. فهناك حقيقة لا يمكن التغاضي عنها وهي أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون القوة العظمى في العالم وغير معتمدة على واردات النفط في الوقت نفسه. هذا يعني أن على قيادة الولايات المتحدة أن تختار أحدهما، أو أن تُبْقي على الوضع الحالي.
وإذا نظرنا إلى التوقعات كافة، نجد أنها كلها تقول إن النفط سيظل أحد المصادر الأساسية للطاقة في المستقبل، بما في ذلك وكالة الطاقة الدولية التي وُجدَت أصلا لمحاربة النفط والدول النفطية. ولا يمكن لما يسمى «البدائل» أن تحل محل النفط لأسباب كثيرة، رغم أنها ستنمو بشكل كبير نسبياً خلال السنوات المقبلة.
وعند الحديث عن البدائل لا بد من تذكُر ما يلي:
1 ـ لا يوجد بديل للنفط لأن الأسواق قد اختارته المصدر الأساس للطاقة، بينما اختارت السياسات الحكومية خيارات أخرى مبنية على الدعم الحكومي. النتيجة إما دعم مستمر ومكلف للمصادر التي اختارتها السياسات الحكومية، وإما فشل السياسات الحكومية وتوقف المشاريع التي اختارتها هذه السياسات.
2 ـ لا توجد بدائل للنفط لأن الطلب على الطاقة على المدى الطويل كبير جدا لدرجة أننا نريد كل مصادر الطاقة, لهذا فإن دور الطاقة المتجددة والجديدة مهم جداً وهو ملء فراغ في الطلب على النفط لا يمكن للنفط أن يغطيه.
3 ـ في الوقت الذي تجني فيه حكومات الدول المستهلكة مليارات الدولارات سنويا من الضرائب على المشتقات النفطية، تخسر المليارات في دعم «البدائل» التي تريدها. إلغاء الاعتماد على النفط يعني أمرين: انخفاض إيرادات هذه الحكومات وانخفاض إنتاج الطاقة من «البدائل» بسبب توقف الدعم عنها، وربما فرض ضرائب عليها لتخفيف العجز في الموازنات الحكومية. بعبارة أخرى، لا يمكن استمرار دعم «البدائل» في الوقت الذي يتوقف فيه الاعتماد على النفط.
4 ـ إن أكبر أثر في الطلب على النفط لن يأتي مما يسمى «البدائل»، ولكن سيأتي من تحسن الكفاءة في الاستخدام.
ختاما، لا بد من التذكير أنه رغم ما قيل أعلاه، إلا أن القلق فيما يتعلق بمستقبل النفط في الدول المنتجة لا يتعلق بنضوبه ومستويات إنتاجه أو مشاركة الأجيال القادمة فيه، وإنما فيما إذا كان الطلب سيستمر عليه أم لا. واستمرارية الطلب على النفط تعتمد بشكل شبه كامل على سياسات الإنتاج الحالية للدول النفطية، خاصة الكبرى منها. لهذا فإن تخفيض الإنتاج ورفع الأسعار إلى مستويات عالية سيحطم الطلب على النفط، وسينخفض دور النفط في الاقتصاد العالمي، رغم وجود احتياطيات نفطية ضخمة. مرة أخرى أؤكد أن هذا الانخفاض في الطلب على النفط لن يكون بسبب البدائل، ولكن بسبب ما ذكر في النقطة الرابعة أعلاه: ارتفاع أسعار النفط سيحسن من الكفاءة في استخدام النفط بشكل كبير، الأمر الذي سيخفض الطلب على النفط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي