ميثاق «آسيان» في حالة عجز بعد قمتين

رئاسة تايلاند لرابطة بلدان جنوب شرق آسيا (آسيان) واستضافتها لها لم ترقيا إلى التوقعات، فقد أصبحت ضحية أزمة تايلاند السياسية المحلية ومجابهتها، وكشفت الكوابح الهيكلية القائمة منذ زمن طويل لرابطة آسيان وأبرزتها العيوب الداخلية والتحديات الخارجية، فالرابطة التي تضم عشرة بلدان سيكون عليها الآن أن تتضافر وتعيد بناء نفسها وتؤكد التزاماتها لميثاق آسيان خلال الشهور المؤدية إلى القمة السادسة عشرة، التي تستضيفها فيتنام في العام المقبل، ودون نتائج مقنعة فإن الميثاق سوف ينظر إليه كتصور عابر ليماشي متطلبات العالم الخارجي لكنه مقيد من الداخل، كيان أجوف تحركه الخطابة ويتجاوزه المجتمع الدولي بشكل متزايد. وكل ما رشح من إجراءات القمم الأخيرة في منتجعات شا- آدم، وهوا هن على جانب البحر، جنوبي بانكوك أدى إلى الارتياح لدى تايلاند وحكومة رئيس الوزراء ابهيستي فيجا جيفا.
ولوضع أعمال آسيان الداخلية على مدار سنة كاملة، فقد تم تسليم تايلاند منصب الرئاسة الدوارة هجائياً ليس لمدة الإثني عشر شهراً المألوفة بل لمدة 18 شهراً، ونظر إلى الفترة غير المسبوقة على أنها تتوافق مع دور تايلاند كعضو مؤسس ومكان ولادة آسيان، واستندت إلى حسن ضيافة تايلاند المشهورة وقدرتها الثابتة على إضفاء الأبهة على المناسبة والاحتفال بها.
وكانت فترة الثمانية عشر شهراً مهمة لآسيان، وهي تخرج ميثاقها الذي يتم التباهي به، وهو دستور إقليمي ممتاز يفترض فيه أن يرسم المسار للمنظمة الإقليمية في العقد القادم وما بعده.
لكن رئاسة تايلاند لم تؤت أكلها، فقد كانت القمتان اللتان عقدتا تحت رئاستها حافلتين بالشك وعدم الاستقرار، فقد كان يفترض بالأولى، قمة آسيان الـ 14، أن تعقد في كانون الأول (ديسمبر) 2008 في بانكوك، لكنها أعيد التخطيط لها لتعقد في تشيانج ماي، في غمرة الاضطرابات المحلية في بانكوك قبل تأجيلها تماماً، نتيجة حل المحكمة الدستورية لحزب قوى الشعب والانهيار اللاحق لحكومة سومشاي وونجساوات، واستطاعت حكومة ابهيسيت عقد قمة آسيان الرابعة عشرة في شباط (فبراير) من هذا العام، لكن ليست قمة شرق آسيا الرابعة العادية اللاحقة، التي تم تأخيرها وقوبلت في النهاية بمظاهرات واضطرابات في الشوارع في نيسان (إبريل)، وتأجيل قمة شرق آسيا يعني أن عقد قمتها الرابعة قد تأخر سنتين.
وإضافة لذلك فإن قمة آسيان الخامسة عشرة قد انطلقت على أساس غير قوي عندما لم يظهر أربعة من رؤساء الدول والحكومات في الافتتاح الرسمي، لأسباب تبدو أنها تتعلق بالاتصال والتخطيط السيئين من قبل الدولة المضيفة وليس نتيجة الاستهانة المتعمدة من قبل الضيوف ولم يكن الغطاء الأمني الشديد في مناطق الاجتماع وحولها، الذي سانده تطبيق قانون الأمن الداخلي وأفراد الأمن البالغ عددهم 30 ألفاً يدل على مناخ قمة.
ورغم الاتفاقيات الجانبية المهمة حول التعاون الفاعل والقمم المرتبطة بآسيان بحضور أعضاء أفراد أو مجموعة أعضاء من قمة شرق آسيا، فإن قمة آسيان الخامسة عشرة أبرزتها ثلاث نتائج رئيسية عكست رئاسة تايلاند المثيرة للمشكلات والتحديات الهيكلية التي تواجه آسيان. وجاء أول تحدّ عند البداية حين أفشل ممثلو منظمات المجتمع المدني من آسيان لقاءهم مع قادة آسيان، وقد تم التدقيق في ممثلي منظمات المجتمع المدني وجيء بهم من منتدى شعوب آسيان الواسع النطاق الذي سبق القمة، واعترضت خمس حكومات من آسيان على كثير من ممثلي منظمات المجتمع المدني القادمين من بلدانها، وحاولت هذه الحكومات إدخال خياراتها ضمن منظومة منظمات المجتمع المدني، ومثل هذه الخطوة غدرت بالنيات الطيبة والزخم المبكر التي تولدت في المواجهة السابقة بين منظمات المجتمع المدني من آسيان في شباط (فبراير) حين تخلى ممثلان من بورما / ميانمار وكمبوديا عن مكانيهما على الطاولة لإرضاء حكومتيهما مقابل اجتماع منفصل، مع ابهيسيت ووزير الخارجية كاسيت بيروميا.
وكان التفاهم بين منظمات المجتمع المدني عندئذ أن تقدم على نصف خطوة إلى الأمام وليس فسخ العلاقة، لمصلحة خطوة أكمل في المواجهة التالية، وبالنظر إلى رفض حكومات آسيان الخمس فإن انسحاب ممثلي منظمات المجتمع المدني المتبقين كان مفهوماً وكان وصولاً إلى شفا الهاوية الذي كان يمكن أن يقوض صدقية القادة أو تصميم منظمات المجتمع المدني من آسيان، وفي النهاية عانت شرعية ما يسمى بالميثاق ''الذي يتركز على الناس'' بشكل جلي، وأحبط ذلك إطلاق اللجنة التي تمثل حكومات آسيان حول حقوق الإنسان، وسيكون ثمانية ممثلين معينين من الحكومات وتايلاند وإندونيسيا فقط، وهما اللتان لديهما لجان محلية لحقوق الإنسان سوف يمثلهما أعضاء مستقلون غير حكوميين، ومن الواضح أن آسيان لا تزال أكثر اهتماماً بما تفضله الحكومات من هجوم الشعوب، الأمر الذي ينسف المبادئ الجوهرية للميثاق حول الحريات المدنية، والحريات الأساسية والإدارة الرشيدة.
وكانت النتيجة الثانية للقمم الشجار التايلاندي الكمبودي بين رئيس الوزراء هون سن وحكومة ابهيسيت، فقد تجاوز هون سن الحدود القانونية والدبلوماسية بالتعهد بعدم تسليم رئيس الوزراء السابق تاكسين شيناواترا الهارب من العدالة، حيث لم تكن إجراءات التسليم قد بدأت قط، وانحاز الزعيم الكمبودي بشكل صارخ في الحكومة التايلاندية المنقسمة جداً على نفسها بمساندة تاكسين، ومنحه الملاذ ومنصباً استشارياً.
لكن يجب على ابهيسيت أيضا أن يعترف بسوء تصرفه بتعيين وزير خارجية لجأ علانية إلى الإساءة لرئيس الوزراء الكمبودي، وبوزير خارجية جاء بمسؤولية قانونية كبيرة جداً فقد كان من السذاجة أن يتوقع من العلاقات التايلاندية - الكمبودية أن تتحسن، وحكومة ابهيسيت فعلت القليل للجم الحركات اليمينية من إثارة جدل برياه فيهيار، باستغلال القومية والشوفينية والخوف من الأجانب، ومما لا شك فيه أن هون سن اعتبر هجومه اللفظي كردّ جزئي على سماح الحكومة التايلاندية لسام رينزي، وهو زعيم معارضة كمبودي، بإطلاق خطبة لاذعة ضد الحكومة في فنوم بنه، في أوائل هذه السنة، والعلاقات التايلاندية - الكمبودية لن تكون الآن صعبة إلى ما لا نهاية حتى بعد أن يستقر غبار السياسة التايلاندية.
ثالثاً: إن الأثر الدائم في نهاية الأسبوع الماضي التصورات المتنافسة للقطرية، فقد كان لليابان خطة جديدة باسم قديم لمشروعها المتعلق بالقطرية، ففكرة مجموعة شرق آسيا تثار منذ سنوات كثيرة وسيكون على طوكيو أن ترسمها مع تقسيمات مصاحبة للعمل من قمة شرق آسيا وآسيان زائد ثلاثة، واقتراح أستراليا لمجموعة آسيا - الباسيفيك يعتمد على إطار التعاون الاقتصادي بين آسيا - الباسيفيك إضافة إلى الهند، وربما الولايات المتحدة. ويجب تحديد مدى اختلاف هذه الخطط عن قمة شرق آسيا وآسيان زائد ثلاثة، وما هو ليس مثيراً للدهشة أنها لقيت استجابة دافئة دون كثير من التجاذب في المنطقة.
لكن هذه المساعي القطرية الجديدة تنذر بخيبة أمل متنامية من آسيان، فالقطرية الآسيوية الشرقية لم تصل إلى شيء لأن آسيان باقية، وتمركزها في قطرية شرق آسيا أصبح عقبة كأداء، وحيث إن القوى الخارجية تولد زخماً جديداً وحماساً وتوجهاً نحو آسيا الشرقية فسوف يكون من الصعب الضغط على آسيان لتصمد أمام عيوبها الداخلية وكثير من العمل الإصلاحي وإعادة توظيف أدوات ميثاق آسيان في وضع سليم إذا أريد للمجموعة أن تبقى ملائمة مع القوى الرئيسية في المنطقة وفي المجتمع الدولي خارجها.
وآسيان كمنظمة تتكون من حكومات مشتركة مقامة من أعلى إلى أسفل ويحركها نخب وبيروقراطيون لصنع السياسة، تسعى إلى أن تكون ملائمة والتمسك بدورها المقصود في العالم، وعليها أن تركز على مناطق تعاون فاعلة تبدو أقل فخامة لكنها تنتج نتائج أكثر مثل التعليم والسياحة وحتى الإغاثة من الكوارث، وعلى عكس أمريكا اللاتينية ونظيراتها الإفريقية والأوروبية فإن آسيان مخلوق غير طبيعي أقامته المصالح وتحقيق الأهداف المشتركة وليس الهوية والقيم المشتركة فطرياً، ويوفر ميثاق آسيان مجالاً لرعاية وترويج مثل هذه الهوية والقيم، في عملية تبدأ من القاعدة إلى القمة من خلال مسار ثالث تأخذ به مؤسسة تعمل من الناس إلى الناس، وسيكون على القيادات من القمة إلى القاعدة والحكومات والبيروقراطيين أن يضعوا هذا الأمر في أذهانهم قبل القمم اللاحقة إذا كانوا يريدون فعلاً أن يخرجوا مجموعة إقليمية تطبق الميثاق وتخطو خطوة إلى الأمام لجنوب شرق آسيا في أوائل القرن الـ 21.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: Opinion Asia

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي