تقييم أداء نتائج ميزانية الكويت
لم تكن نتائج الأشهر الستة الأولى لميزانية الكويت للسنة المالية 2009 و2010 مفاجأة بالنسبة للمراقبين. والإشارة هنا إلى تسجيل ارتفاع كبير نسبيا في إيرادات الخزانة العامة كجزء طبيعي للسياسة المالية المحافظة. بدورنا لا نرى بالضرورة صواب هذه السياسية، لأنها تحدّ من فاعلية المالية العامة في إدارة دفة النشاط الاقتصادي في البلاد. تعد نفقات الدولة حيوية في الكويت، كونها تشكل أكثر من ثلث الناتج المحلي الإجمالي. كما هو الحال مع قطر، تبدأ السنة المالية في الكويت في نيسان (أبريل) وتنتهي في آذار (مارس)، لكن خلافا لقطر وسائر الدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، تتميز الكويت باقتطاع 10 في المائة من إيرادات الخزانة العامة للدولة لصندوق خاص للأجيال المقبلة. يهدف هذا البرنامج إلى ضمان حصول الأجيال المقبلة على حقوقهم من خيرات البلاد.
تعزيز الإيرادات
تشير الإحصاءات إلى ارتفاع الإيرادات بنسبة 12 في المائة، حيث بلغت 28.7 مليار دولار مع نهاية النصف الأول للسنة المالية 2009 و2010 وهي الفترة الممتدة من بداية نيسان (أبريل) حتى نهاية أيلول (سبتمبر). حقيقة القول، يزيد هذا الرقم على الرقم الكلي لإيرادات السنة المالية وقدرها 28.1 مليار دولار.
ليس من المستبعد تكرار تجربة السنة المالية الماضية فيما يخص مستوى إيرادات الخزانة العامة. وكانت ميزانية الكويت قد سجلت إيرادات قدرها 73 مليار دولار في السنة المالية 2008 و2009، أي الأعلى في تاريخ البلاد، وقد تحقق هذا الدخل على خلفية الارتفاع النوعي لأسعار النفط في الأشهر السبعة الأولى عام 2008، حيث وصلت إلى الرقم القياسي 147 دولارا للبرميل في تموز (يوليو).
يتوقع تسجيل فائض بنحو 34 مليار دولار مع نهاية السنة المالية في آذار (مارس) 2010 في حال حافظت أسعار النفط على مستوياتها الحالية مقارنة بمتوسط السعر الذي تم تبنّيه لإقرار الميزانية. بالمقارنة، حققت الميزانية العامة فائضا بحجم 9.5 مليار دولار في السنة المالية 2008 و2009.
متوسط سعر النفط
كانت الحكومة الكويتية قد افترضت متوسط سعر منخفض جدا قدره 35 دولارا للبرميل عند إقرار ميزانية 2009 و2010، أي أقل بكثير من الأسعار السائدة في الأسواق العالمية. بالمقارنة، تم افتراض متوسط سعر قدره 50 دولارا للبرميل في ميزانية 2008 و2009. وجاءت الخطوة الرسمية في أعقاب تدهور أسعار النفط في الربع الأخير عام 2008 والربع الأول عام 2009، وهي الفترة التي سبقت إعداد الميزانية. وارتبط تراجع أسعار النفط بتداعيات الأزمة المالية العالمية، التي تسببت في إيجاد حالة من عدم الثقة وبالتالي الطلب.
بيد أنه تحسنت الأسعار مع انطلاق ميزانية الكويت للسنة المالية 2009 و2010، الأمر الذي يفسر تعزيز مستوى الدخل النفطي. وحدث التحسن مع استعادة الاقتصاد العالمي عافيته كنتيجة مباشرة لتدخل عديد من الدول، خصوصا الولايات المتحدة، بريطانيا، واليابان حيث قدمت خطوات لتعزيز النفقات العامة.
أهمية القطاع النفطي
تعتمد الخزانة العامة بشكل مبالغ فيه على الإيرادات النفطية، الأمر الذي يضع السياسة المالية العامة للدولة تحت رحمة التطورات في القطاع النفطي. حسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، يسهم القطاع النفطي بنحو 90 في المائة من مجموع إيرادات الخزانة. وتتكون الإيرادات الأخرى من العائد على الاستثمارات، فضلا عن مبيعات الحكومة من السلع والخدمات والتعرفة المفروضة على الواردات. حقيقة القول، تعد الخزانة العامة في الكويت الأكثر اعتمادا على النفط بين شقيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي. يشكل الدخل النفطي نحو ثلاثة أرباع إيرادات الخزانة في البحرين.
حسب إحصاءات منشورة في نشرة حديثة لشركة بريتيش بتروليوم، بلغ متوسط إنتاج الكويت عام 2008 مليونين و800 ألف مليون برميل يوميا. وعليه شكل الإنتاج الكويتي 3.5 في المائة من الإنتاج العالمي. بالمقارنة، أسهمت السعودية بنحو 13 في المائة من الإنتاج العالمي للنفط الخام في 2008.
توظيف الفوائض المالية
بلغ المجموع التراكمي للفوائض المالية التي تحققت في 11 عاما نحو 120 مليار دولار، ما يعني توافر الإمكانات لإجراء تغييرات جوهرية في الاقتصاد الوطني. وتشمل هذه الأهداف تقليل الاعتماد على القطاع النفطي بواسطة الاستثمار في قطاعات أخرى مثل الصناعة، بل هناك حاجة إلى الإسراع في تنفيذ برنامج الخصخصة، الذي يرتكز على تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد المحلي عن طريق بيع بعض المؤسسات المملوكة للقطاع العام.
وكانت الحكومة الكويتية قد اشترت بعض المؤسسات والاستثمارات وذلك في أعقاب أزمة سوق المناخ عام 1982، حيث حدث انهيار للأسهم في السوق غير الرسمية، فضلا عن تداعيات الغزو العراقي للكويت عام 1990.
في كل الأحوال، يتوقع أن تؤدي عملية الإصلاحات الاقتصادية دورا في تحقيق هدف آخر، ألا وهو تشجيع المواطنين على العمل في مؤسسات القطاع الخاص. يعمل نحو 92 في المائة من المواطنين في مؤسسات القطاع العام، ما يقتضي الصواب لتقليص هذه النسبة.