الحيوانات أخطر على البيئة من النفط!

مقال اليوم هو تتمة لمقال الأسبوع الماضي الذي كان بعنوان «يقولون «النفط» ويتناسون البقر والخنازير...والفيلة!»، الذي أوضح أن «الأنشطة الإنسانية» المسببة للاحتباس الحراري لا تقتصر على النفط ومصادر الطاقة الأخرى، إنما تشمل أيضا تربية الحيوانات، خاصة البقر والخنازير والغنم والماعز والإبل والدجاج.
نشرت مجلة «وورلد ووتش» في عددها الأخير الذي صدر منذ نحو أسبوعين خلاصة دراسة قام بها روبرت جودلاند وجف أنهانج. الأول كان كبير مستشاري البيئة للبنك الدولي، الحاصل على أحد أعلى الأوسمة العالمية في حماية البيئة، والثاني متخصص في البيئة ويعمل في إحدى مؤسسات البنك الدولي. الهدف من ذكر الأسماء والمهن هو التأكيد على أنه لا علاقة لأي منهما بصناعة النفط أو دول النفط، وليس لهما مصلحة «نفطية» في البحوث التي قاما بها وبنتائج الدراسة التي نحن بصددها.
يعتقد الباحثان أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الحيوانات التي تربى من أجل لحومها أكبر بكثير من الاعتقاد السائد بدورها البسيط. واستنتج الباحثان أن نسبة هذه الغازات تتجاوز 50 في المائة من إجمالي الانبعاثات الناتجة عن الأنشطة الإنسانية. ويستنتج الباحثان أن استبدال المنتجات من هذه الحيوانات بمنتجات أخرى سيكون له أثر أكبر في تحسين البيئة وتخفيض الاحتباس الحراري من عملية استبدال الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) بالطاقة المتجددة (لأن للطاقة المتجددة آثار بيئية سيئة أيضا).
ويشير الباحثان إلى دراسة قامت بها منظمة الفاو عام 2006، التي أشارت إلى أن 18 في المائة من انبعاثات غازات الانحباس الحراري تعود إلى الحيوانات التي تربى من أجل لحومها مثل البقر والخنازير والغنم والماعز والإبل والدجاج، ويشيران إلى أن تقدير المنظمة أهمل أشياء كثيرة، كما قدرت بعض الكميات بأقل من كمياتها الحقيقية. وإذا تمت إضافة هذه الآثار التي تم إهمالها أو تجاهلها، فإن غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن هذه الحيوانات ستتجاوز 50 في المائة من إجمالي الانبعاثات في العالم وترتفع من 7516 مليون طن (تقدير الفاو) إلى نحو 32564 مليون طن.
عملية التنفس: تجاهلت الدراسة التي قامت بها منظمة الفاو غازات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن تنفس الحيوانات. وسوغت «الفاو» ذلك بأن اتفاقية كيوتو لا تتضمنها، لأن الاتفاقية اعتبرت أن النباتات التي تأكلها الحيوانات امتصت غاز ثاني أكسيد الكربون عندما كانت نباتات حية، لذلك فإن الحيوانات تصبح في النهاية مخزنا لثاني أكسيد الكربون، وبالتالي لا يعد تنفسها مصدرا صافيا لغاز ثاني أكسيد الكربون. ويؤكد الباحثان هذا الخطأ في دراسة «الفاو» وفي اتفاقية كيوتو، خاصة أن أعداد الحيوانات في تزايد مستمر، بينما تتناقص الغابات، المخزن الأساس لغاز ثاني أكسيد الكربون، بشكل مستمر. ويستدل الباحثات بدراسة «الفاو» نفسها التي تشير إلى أن كمية غاز ثاني أكسيد الكربون المخزنة في الحيوانات لا تذكر مقارنة بما يمكن تخزينه في الغابات التي أزيلت لإنتاج العلف الذي تأكله هذه الحيوانات.
الأرض: رغم أن دراسة «الفاو» تضمنت الغازات التي تنتج عن التغير في استعمال الأرض من غابات إلى مناطق رعي، إلا أنها تتجاهل كمية التخفيض في غازات الاحتباس الحراري التي تمتصها الغابات، فالغابات تخزن 200 طن من الكربون في كل هيكتار، بينما إذا تمت إزالتها وتحويلها إلى مناطق رعي، فإن الرقم ينخفض من 200 طن إلى ثمانية أطنان فقط. هذا الفرق، 192 طنا، تجاهلته الدراسة، ويجب إضافته إلى الأثر البيئي لتربية هذه الحيوانات. كما تجاهلت الدراسة انبعاث 200 طن أخرى من التربة التي كانت مهدا للغابة.
هذا يجعل الفرق 392 طنا لكل هكتار! من هنا يستنتج الباحثان أن ترك أراضي الرعي وإعادتها إلى غابات سيخفض انبعاثات الاحتباس الحراري في العالم بنحو النصف! وإذا تمت زراعتها بمحاصيل تستخدم في إنتاج الوقود الحيوي، واستخدم هذا الوقود الحيوي بدلا من الفحم، فإنه يخفض استخدام الفحم إلى النصف. وبعد حسابات معقدة يستنتج الباحثان أن دراسة «الفاو» تجاهلت نحو 4 في المائة من انبعاثات الاحتباس الحراري التي تعود إلى استخدام الأراضي في الرعي.
غاز الميثان: يعد غاز الميثان من أخطر انبعاثات الاحتباس الحراري لدرجة أنه أخطر من غاز ثاني أكسيد الكربون، ويأتي جزء كبير منه من روث الحيوانات ومن اجترار البقر، ولكن غاز الميثان لا يبقى في الجو أكثر من ثماني سنوات، بينما يبقى غاز ثاني أكسيد الكربون أكثر من 100 سنة. هذا يعني أن أي سياسة لتخفيض انبعاثات الاحتباس الحراري يجب أن تركز على الميثان أكثر من غاز ثاني الكربون. أغلب كميات الأول تأتي من الحيوانات، بينما أغلب كميات الثاني تأتي من الوقود الأحفوري. هذا يعني أن التركيز يجب أن يكون على الحيوانات قبل النفط! من هذا المنطلق يرى الباحثان أن تخفيض عدد الحيوانات في العالم سيؤدي إلى تخفيض انبعاثات الاحتباس الحراري بشكل أكبر من ترشيد استهلاك الطاقة أو استخدام الطاقة المتجددة. وينتقد الباحثان تقديرات «الفاو» ويرون أن الرقم الحقيقي هو ثلاثة أضعاف ذلك بسبب افتراضية خاطئة تتعلق بمعدل ارتفاع حرارة الأرض بسبب الميثان.
أمور أخرى: يرى الباحثان أن نحو 9 في المائة من انبعاثات الاحتباس الحراري تم تجاهلها تماما في دراسة «الفاو»:
1. أرقام «الفاو» مبنية على أعداد الحيوانات عام 2002، لكن هذا العدد زاد بمقدار 12 في المائة منذ عام 2002، ويجب إضافة الغازات الناتجة عن ذلك إلى أرقام «الفاو».
2. الأرقام التي استخدمتها «الفاو» في دراستها أقل بكثير حتى من الأرقام التي تنشرها «الفاو» في الإحصائيات الأخرى، فقد ذكرت الدراسة أن 33 مليون طن من الدواجن أنتجت عام 2002. بينما تظهر منشوراتها الأخرى أن الكمية المنتجة كانت نحو 73 مليون طن!
3. بعض الأرقام المتعلقة بانبعاثات الغازات من الحيوانات قديمة جدا وبعضها يعود إلى الستينيات، وأخرى تعود إلى الثمانينيات.
4. قامت «الفاو» بحساب انبعاثات في قطاعات أخرى، ولكنها انبعاثات تعود في الحقيقة إلى الحيوانات، الأمر الذي يؤكد أن تقديراتها لانبعاثات الغازات من الحيوانات منخفضة، فقد حسبت آثار إزالة الغابات في الأرجنتين تحت قسم الغابات، مع أن هذه الأرض استخدمت لرعي الحيوانات وتربيتها. كما أنها لم تحسب مزارع الأسماك على الإطلاق، رغم الانبعاثات الكبيرة الناتجة عنها. كما أنها تجاهلت الآثار البيئية السيئة لعمليات الصيد البحرية والمصانع التي هدفها تحويل هذه المحاصيل البحرية إلى علف للحيوانات.
5. تتجاهل «الفاو» كل الغازات الناتجة عن عمليات معالجة اللحوم وتعليبها وتوزيعها.
6. تتجاهل كل الآثار البيئية لمخلفات الحيوانات المذبوحة مثل السوائل، وفضلات اللحوم والعظام.
7. تتجاهل آثار غازات الانبعاث الحراري الناتجة عن الطبخ، خاصة في الأماكن التي تستخدم الفحم في الطبخ، أو الكهرباء التي تولد من الفحم.
8. تتجاهل الغازات الناتجة عن عملية تصنيع الأدوية والأدوات والأجهزة الطبية التي تستخدم لعلاج الأمراض الناتجة عن أكل هذه اللحوم.
مرة أخرى، ارحموا النفط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي