جامعة الملك سعود بين تصنيف شنغهاي والمكانة الدولية

لا تنقصنا المهارات ولا الإمكانات, ولا ينقصنا الطموح متى توافرت الإرادة الحقيقية للعمل الجاد الذي يأخذنا من أداء الواجب إلى الإبداع في أداء الواجب, وتجاوز عقدة الروتين والبيروقراطية الجامدة التي سيطرت على بعض جوانب حياتنا العملية، قبل أن يتنبه قائد الإنجازات الكبيرة خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ إلى ضرورة إحياء جو المنافسة وترقية الحس بأهمية العمل المتميز عبر دعمه اللامحدود لكل ما يسهم في دفع عجلة التنمية في الوطن على مختلف الأصعدة, ما وفر بالتالي مناخا لائقا وغير مسبوق للطامحين من أبناء الوطن لوضع مشاريعهم التطويرية تحت الشمس وأمام الواقع بلا عوائق ولا عقبات.
لقد أفضت هذه البيئة التنافسية الجديدة التي بثها القائد في مفاصل الأداء العام, إلى جملة من الأفعال النابهة التي سجلت باسم الوطن, ابتداء من التميز الطبي العالمي في فصل التوائم إلى بناء أهم أوعية الأحلام في بث هذا العدد الضخم من الجامعات وصولا إلى الصرح الأهم جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية. هذا المناخ الفريد في البيئة التنافسية مع وجود قيادات أكاديمية بوزن الدكتور عبد الله العثمان, أسهم في غضون بضع سنوات في وصول واحدة من أعرق جامعاتنا, وهي جامعة الملك سعود إلى احتلال مكانتها الأكاديمية بين أهم 500 جامعة عالمية وفق ما أعلنه الدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي ونشرته «الاقتصادية» أمس, حيث جاء هذا التصنيف العالمي المرموق شنغهاي, الذي يخضع لمعايير أكاديمية وعلمية دقيقة وصارمة, إذ يعد الأصعب من بين التصنيفات العالمية ليضع جامعة الملك سعود في مكانتها العالمية مسجلة بذلك الحضور الوطني والعربي الوحيد في هذا التصنيف.
وتأتي أهمية هذا الإنجاز كونه يأتي من جامعة شنغهاي جياو تونج, التي تحظى بتقدير واسع في مختلف الأوساط الأكاديمية عالميا, ويلقى تصنيفها انتشارا وقبولا دوليا وسمعة عالمية, نسبة للمعايير التي يستند إليها هذا التصنيف, الذي بدأ كمشروع صيني لإعداد تصنيف مستقبل الجامعات حول العالم التي تعتني بالبحث العلمي بين الجامعات الصينية قبل أن ينتشر على المستوى العالمي, خاصة بعدما قام بعض المجلات العالمية مثل «الإيكونوميست» البريطانية بنشر نتائجها بصفة دورية على اعتبار ركائزها القائمة أساسا على القياس من خلال الدور الرئيس للجامعات في ميدان البحث العلمي, وحصر الجامعات التي فاز أحد منسوبيها بجائزة نوبل أو ميدالية فيلز, أو من تم الاستشهاد بأبحاثهم بشكل مكثف أو نشروها في مجلات علمية رصينة مثل مجلة «ساينس» أو «نيتشر» أو غيرهم من مراكز البحوث العالمية والاجتماعية, حيث تم الفرز من بين أكثر من ألفي جامعة حول العالم.
ولأن هذه المعايير التي يتم التوصل إليها حسب الأداء الأكاديمي والبحثي وتتصل مباشرة بجودة التعليم والمستوى الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس والمخرجات البحثية، وحجم الجامعة وفروعها، فقد استحقت جامعة الملك سعود التي شهدت خلال الفترة الأخيرة حراكا أكاديميا ونوعيا متميزا، أضاف إلى إرثها العريق كواحدة من أهم جامعاتنا الوطنية ما تستحقه من التقدير على المستوى الأكاديمي الدولي، لتأخذ هذا الموقع المتقدم في سلم التصنيف، ومن قبل جهة لها كل الموثوقية العلمية بين مختلف جامعات العالم، لتسجل حضورها باسم الوطن والعالم العربي كأول جامعة وطنية وعربية تحتل هذه المرتبة.
غير أن الأهم في هذا التصنيف هو أنه يركز على الدور الأساس للجامعات العريقة وهو البحث العلمي، بعد أن تحولت معظم الجامعات في العالم إلى مهمة التعليم لتصطف في قائمة التعليم العام، مما قلص دورها في مجال البحث العلمي الذي يسهم في بناء الحضارة الإنسانية. وجامعة الملك سعود التي استطاعت أن تستثمر مناخ المنافسة بقيادتها الأكاديمية الواعية المتمثلة في معالي مديرها ومجلس إدارتها، باستعادة دورها كجهة بحثية في المقام الأول.. لابد أنها ستفتح الباب مجددا أمام هذا العدد المتنامي من الجامعات الوطنية لتدخل إلى حلبة السباق العلمي الذي سيفضي بنا بالنتيجة إلى قيام جسم أكاديمي ضخم مهمته صناعة الابتكار وقيادة المعرفة في عالم ما عاد فيه أي مكان إلا لمن يصنع المعرفة وينتجها ويستثمرها، وهذا هو مصدر ابتهاجنا كمواطنين بهذا المنجز العلمي والوطني الكبير.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي