من أجل تجاوز التعريف الغربي المختل للإرهاب

لا تزال الظاهرة الإرهابية في مختلف تجلياتها التنظيمية والفكرية والعملية تشغل العالم وتستهلك جزءاً كبيراً من موارده البشرية والمادية التي تخصص لمواجهتها وتخليص البشرية من شرورها الكثيرة. وفي الوقت نفسه لا يزال العالم مختلفاً بصورة تبدو ثابتة لم تتغير حول فهم هذه الظاهرة سواء من زاوية التعريف الدقيق لها أو من زاوية مكوناتها أو من زاوية الأسباب والدوافع التي تؤدي إلى نشأتها وتطورها.
الواضح من تحليل مختلف التصورات السائدة للظاهرة الإرهابية على مستوى العالم أن أكثرها شيوعاً هي تلك التي تتبناها حكومات ونخب غربية، التي تكاد تحصرها منذ هجمات أيلول (سبتمبر) 2001 في الجماعات والمنظمات والدول المنتمية إلى العالمين الإسلامي والعربي دون غيرها في المناطق والدوائر الثقافية والحضارية والدينية الأخرى على مستوى العالم. ويرتبط بهذه التصورات تعميم أصحابها لمفهوم الإرهاب لكي تصف له كل الظواهر التي تتصادم مع المصالح الغربية المباشرة وغير المباشرة أياً كانت طبيعتها الحقيقية التي لا ترتبط بأية صلة مع مفهوم الإرهاب البغيض. وهكذا يندرج ضمن تعريف الإرهاب عديد من المنظمات والجماعات العربية والإسلامية التي هي بطبيعتها لا يمكن وضعها سوى ضمن ظاهرة المقاومة الوطنية للاحتلال، كما تندرج دول كل مشكلتها أن لها خلافات أو صراعات مع بعض الدول الغربية الكبيرة أو المتوسطة. كما تندرج تحت التعريف نفسه لدى أصحابه عشرات من المنظمات والجمعيات الأهلية الإسلامية ذات الطابع الإنساني في أنحاء العالم باعتبارها داعمة للإرهاب مالياً واقتصادياً وبالتالي يعتبرونها جزءاً منه، على الرغم من غياب أي أدلة حقيقية على ذلك الاتهام بل ووجود تناقضات عميقة ومعروفة بين الأغلبية الساحقة من تلك الجمعيات والمجموعات الإسلامية التي يمكن وصفها بالإرهابية.
في ضوء تلك النوعية من تعريفات الإرهاب والظاهرة الإرهابية التي باتت تهيمن على العالم خلال السنوات الثماني الأخيرة والتي تسببت ليس فقط في تشويه ديننا وبلادنا وثقافتنا وشعوبنا، بل أدت إلى حروب دموية لا تزال مشتعلة في بعض هذه البلدان سقط فيها مئات الآلاف من القتلى والجرحى من أبناء شعوبنا، يبدو ضرورياً الإصرار على التوصل لتعريف أكثر دقة وواقعية من ذلك الذي تتبناه الدول والمجتمعات الغربية. ولعل التوصل لمثل ذلك التعريف الحقيقي للإرهاب ومن ثم السبل الأنجع لمواجهته يستلزم قبل كل شيء طرح السؤال البديهي الأولي الذي يبدو أن السياسة الغربية قد تجاهلته في غمار لهاثها وراء تعريفها المتغير المتناقض للإرهاب وحربها ضده، أي: لماذا ينشأ الإرهاب؟ ولماذا يمارسه كل هؤلاء الذين يتهمهم الغرب بممارسته في مختلف بقاع العالم وعلى اختلاف شخوصهم والظروف المحيطة بهم؟ إن الإجابة المتأنية غير المتحيزة على ذلك السؤال هي الكفيلة بتقديم التعريف والمفهوم الأدق والأكثر واقعية لظاهرة الإرهاب، وقبل ذلك الجذور التي يستمد منها وجوده وحياته، بما قد يساعد على تلمس طريق أصوب في التعامل معها وبالتالي التخلص منه. وفي محاولة الإجابة عن ذلك السؤال الذي غاب عن التعريف الغربي للإرهاب، يبدو مهماً السعي للتخلص من التأثيرات السياسية والدعائية التي تخيم مفاهيمها وسياساتها المضطربة والمنحازة على أجواء العالم كله منذ وقوع هجمات أيلول (سبتمبر) 2001 على نيويورك وواشنطن.
في ضوء ذلك فإن المناقشة الأولية لمفهوم الإرهاب تشير إلى أنه ليس هناك اختلافات كبيرة حول معناه النظري العام من حيث أنه استخدام القوة لترويع المدنيين أو قتلهم بغرض تحقيق أهداف غير مشروعة، بينما تأتي كل الاختلافات عند تطبيق ذلك المعنى على الحالات الواقعية المحددة. إذن المطلوب أولاً قبل بحث كيفية مواجهة الإرهاب أن يستقر تعريف عملي واقعي له. كذلك لا يبدو أن هناك أي اختلافات بين مختلف دول ومجتمعات العالم حول الإدانة الصارمة للإرهاب ونتائجه الكارثية على البشرية كلها وليس على دول أو مجتمعات أو ثقافات بعينها. ولما كان التوصل لمثل ذلك التعريف الذي تتفق عليه دول العالم على اختلاف مصالحها وتصوراتها يكاد يكون أمراً مستحيلاً، فإن الأكثر عملية هو أن يتم وضع تعريف عربي وإسلامي للإرهاب وفق ما استقرت عليه المواثيق والأعراف الدولية وأكدت عليه تعاليم الإسلام الواضحة من تحريم ترويع المدنيين أو قتلهم من أجل تحقيق أهداف غير مشروعة. ويمكن السعي لوضع ذلك التعريف من خلال أحد الإطارين المؤسسيين الدوليين للدول العربية والإسلامية أو كليهما، أي الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وبالاشتراك مع جهود مباشرة من جمعيات وشخصيات دينية ووطنية وثقافية تعبر عن مجتمعات تلك الدول. ولكي يكتمل التعريف وتتضح سبل مواجهة تلك الظاهرة فلا بد أن يشمل الجذور والظواهر الأخرى التي أدت إليها وبعض التصورات والمقترحات التي تنصرف إلى التعامل معها في الوقت نفسه الذي يشمل تصورات ومقترحات أخرى تتعلق بالتعامل المباشر مع الظاهرة الإرهابية نفسها. ومن شأن وضع مثل ذلك التعريف بهذه الآلية إكساب المواقف العربية والإسلامية وحدة وقوة في ظل تزايد حدة الحملة الغربية والعالمية ضد ما يسمى الإرهاب بما قد يجنب العالمين العربي والإسلامي أن يكونا الهدف الوحيد لتلك الحملة، التي تبدو مرشحة للاستمرار فترات طويلة في المستقبل على الرغم من تراجعها بعض الوقت من حين لآخر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي