تأهيل العمالة الوافدة حماية للاقتصاد (4 من 4)

ثالثا: نظام معلومات متطور للقوى العاملة
1 ـ تتبنى كل دولة من دول الخليج نظام معلومات دقيقا ومتطورا للقوى العاملة ترتكز إليه في تبني التوجهات في التعامل مع القوى العاملة الوافدة.
2 ـ إيجاد قنوات جيدة لتبادل معلومات القوى العاملة بين بعضها بعضا كإجراء وقائي يحول دون تحول العمالة غير المؤهلة من دولة إلى أخرى مما يساعد على تأمين حماية محكمة على مستوى الدولة الواحدة وعلى مستوى دول مجلس التعاون.
3 ـ تقريب مقاييس تحديد الكفاءة المهنية بين هذه الدول مما يوجد لغة مشتركة تساعد على إحكام الوقاية.
خاتمة
قد يقول البعض إن هذه, وإن كانت سهلة الطرح، إلا أنها صعبة التطبيق. ومن يقول ذلك لم يخطئ ولكن التدابير والمشاريع ذات المردودات الكبيرة أو الحساسة لها متطلبات لا تتحقق عادة بسرعة أو يسر, ولها ثمن يبدو في بعض الحالات باهظاً.
ماذا لو اعتبر هذا التوجه واحداً من برامج التنمية في البلاد؟ ألم يسبق أن واجهت دول الخليج صعوبات كبيرة في تنفيذ كثير من برامج التنمية؟ بلى .. ولكن مواجهتها بعزيمة أكبر من صعوبتها وتخطيط سليم وتنفيذ دقيق جعلت تنفيذها ميسوراً. وعلى كل حال, فليست العبرة في تقرير السير في اتجاه أو التوقف دونه, بمقدار الصعوبات التي تملأ ذلك الطريق بل العبرة بمقدار المردودات التي ستجنى من وراء ذلك القرار, وفوق ذلك كله فطالما أن للبلاد مصلحة في هذا التوجه أو ذاك. فالواجب يحتم مواجهة ما يحول دون تحقيقها من صعوبات بعزيمة وإصرار, فإحلال العمالة الوطنية مطلب تضمنته جميع خطط التنمية في هذه الدول ورسمت لذلك توجهات عديدة ولكن ليس من بينها حسن انتقاء العمالة الوافدة طالما أوجبت الحاجة وجودها.. فتلك مسألة لم تحظ بكثير من الاهتمام رغم ما لها من أهمية في تهيئة المواطن للحلول محلها. وتكمن أهمية جودة العمالة الوافدة في أنها هي التي ستؤسس, بشكل عملي أساليب وسلوكيات العمل من ناحية, وهي التي ستنتقل عن طريقها الخبرة العملية إلى المواطن من ناحية ثانية, إذ إن إهمال جودة تأهيل العامل الوافد معناه الإصرار على شراء خبرة متدنية ومعرفة بآلية وسلوكيات عمل غير حميدة. والثمن المدفوع هنا لا يقتصر على ما يدفع لهذه العمالة من رواتب ومصروفات استقدام بل يتعداه إلى ما يدفع من أموال طائلة لشراء تقنية متقدمة التي ينتهي بها المطاف، نتيجة سوء التشغيل والصيانة والإدارة إلى التلف السريع قبل أن يستوفى منها ما يقابل ما دفع للحصول عليها, ناهيك عن تحقيق الأرباح منها. وهنا يظهر التناقض المكلف: جدا تقنية متقدمة وثمينة وعمالة متدنية الكفاءة .. ترى من يدفع ثمن ذلك كله؟
إن غياب مقاييس تسترشد بها المؤسسات الناشئة التي تعوزها الدراية بمتطلبات نشاطاتها الاقتصادية من القوى العاملة مع مرونة في ضوابط الاستقدام مهما حسنت النية, التي لا تكفي وإن كانت مهمة, سيؤدي إلى أوضاع سلبية كنتيجة حتمية لاجتهادات مكاتب توظيف القوى العاملة. سواء في الدول المستقدمة لها العمالة أو في الدول التي تستقدم منها، التي هدفها الأهم كسب الأموال الطائلة حتى ولو كان ذلك على حساب اقتصاد البلاد ومقدراتها وأمنها.
إن ضبط جودة نوعية تأهيل المستقدم من القوى العاملة مسؤولية كبيرة ويجب عدم التقليل من آثارها أو الاستهانة بها. ومهما كانت عوائق التنظيم الذي يتطلبه الضبط المناسب فلن يكون لتلك العوائق من الآثار السلبية ما يوازي نسبة ضئيلة من سلبيات الاستمرار في جلب القوى العاملة غير المؤهلة. وما يجب أن يراعى عند إيجاد تنظيم عملية الضبط هو واقعية التنظيم وسهولته وعدم تسببه في إعاقة النشاطات الاقتصادية للبلاد.
وتوجه عام وكبير وحساس مثل التعامل مع القوى العاملة يجب عدم الاندفاع فيه لمجرد القناعة بالفكرة، ولكن يجب أن تجرى على جزئية منه تجربة تقاس من خلال نتائجها جدوى تلك الفكرة. وفي حالة نجاح الفكرة المطروحة هنا يمكن إجراء تجربة مع دولة واحدة أو ربما أقل من ذلك كقصر التجربة على مهنة محددة من بلد واحد. وإن لم تنجح الفكرة بشكل مطلق فقد تنجح مع دولة أو مجموعة من الدول أو في مجال مهنة أو أكثر، وكل مجال تنجح فيه يعد مكسباً وخطوة على الطريق الصحيح، حيث إن البديل لذلك هو الاستمرار في جني السلبيات المؤلمة ودفع الأثمان الباهظة.
ومن ناحية ثانية، يلاحظ المتابع لأداء القوى العاملة التي تأتي من بلدان ذات خلفيات متباينة تميز بعض الجنسيات على غيرها في مهنة أو أكثر كأن يتميز المستقدمون من بلد في مهنة التمريض مثلاً والقادمون من بلد (ب) في مهنة الهندسة، سواء في جميع فروعها أو أي منها، وطالما أن دول الخليج مضطرة لاستقدام قوى عاملة خلال السنوات المقبلة وبأعداد كبيرة للعمل في مجالات مهنية متعددة، فلماذا لا تستثمر هذا التميز لصالحها، حيث لا تستقدم من أي بلد إلا في حدود المهن التي تثبت بالتجربة تميز عمالتها فيها.
إن مثل هذا التوجه سيحقق رضا مزدوجا لدى أصحاب العمل والعاملين وكما هو مجرب فالرضا دافع قوي من دوافع الإخلاص والوفرة في الإنتاج والسلاسة في السلوك. ولو أن هذه التدابير اتخذت منذ 20 سنة مضت لكانت السلبيات التي تعانيها دول الخليج في مجال العمالة الآن، أقل وأخف وطأة، مما يدعو إلى المبادرة باتخاذ التدابير المناسبة قبل أن تصل الأمور إلى مرحلة لا تجدي معها الحلول والتدابير مهما بلغت جديتها. وإن كانت الظروف الاقتصادية غير العادية التي مرت بها هذه الدول خلال العقدين الماضيين قد استوعبت. بشكل أو بآخر، الخسائر التي تسببت فيها العمالة غير المؤهلة, فإن ظروف الحاضر والمستقبل لن تستوعب ذلك, علاوة على ما سيؤدي إليه الاستمرار في الوضع القائم من إطالة الزمن اللازم لإحلال العمالة الوطنية محل الوافدة، كافتراض متفائل، إن لم يحل ذلك بشكل قاطع دون بلوغ تلك المرحلة وما سيصاحبها من تزايد نسبة البطالة بين المواطنين المؤهلين في وقت تستحوذ فيه العمالة الوافدة غير المؤهلة على معظم فرص العمل.
والله الموفق..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي